عامان على إحتلال الموصل |
تلوح في الأفق علائم انهيار البنيان الهلامي للعراق، هذا البنيان الذي ثبّت أسسه ودعم أركانه نخبة من المنظّرين السفسطائيين الغائبين عن المشهد الكلّي للأوضاع المأساوية التي يتمرغ فيها البسطاء والفقراء والحالمون بواقع أفضل لهم ولأسرهم ولمجتمعاتهم الصغيرة هنا وهناك، ببساطة أن مايجري في المنطقة ككل هو تعميم لثقافة الجهل والتشرذم والأنانية وحب السلطة والتسلق على أكتاف الآخرين وهذه الثقافة منتشرة بشكل كبير وحازت على اعجاب المسوّقين والداعمين لها دون اعتبار لمخاطر نتائجها العبثية الفوضوية التي صادرت وبجدارة احلام وطموحات الاجيال القادمة وزعزعت استقرار المنطقة وبجدارة.تفاقمت الخيبات على مدى قرون في هذا الجزء من العالم، اختفى العراق من خارطة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والثقافي واصبح بلداً يصادره الجوع والتخلف والعهر السياسي والانحلال الفكري بالرغم من الاصوات التي تقول عكس ذلك وتدعي ان هذا البلد لا يزال بخير ومتماسك ويصوره على انه منارة وقبلة تتجه الانظار اليه، اين هو الاستقرار في البلد الذي رزح ومنذ تأسيسه في خضم الصراعات القومية والطائفية وشهد حروباً وانفالات وتصفيات وانقلابات ومؤامرات لا تعد ولا تحصى.والموصل تلك المدينة الغافية على نهر دجلة الخصب، ثاني اكبر مدن العراق، عانت ماعانت ومنذ تأسيسها من الاطماع الخارجية والداخلية، ففي سنة 612 ق م استطاع الميديون والكلدانيون الاستيلاء عليها بعد معارك طاحنة مع الاشوريين ودمروا المدينة تدميرا كاملاً، ومنذ ذلك الوقت وهذه المدينة تتعرض الى شتى انواع التخريب والاحتلال، فمنذ ان دارت على اطرافها معارك شرسة بين الساسانيين والرومان سنة 579 ق م وانتهت بانتصار الروم واصبحت تحت حكمهم، والى الان نجد بأنها لم تشهد استقرارا ً أمنياً وظلت الجيوش تتصارع عليها والمحتلين يشنون الحملات الكبيرة لضمها اليهم، وكان اخرهم تنظيم داعش الارهابي المتطرف الذي اعاد المدينة الى عصور التخلف والجهل والاستعباد.لعامين متتاليين والموصل قابعة في مستنقع الموت، لا يأبه لاهلها المحاصرون في الداخل أحد، حكومات ومجموعات مجتمعية وفعاليات انسانية تنادي لتحريرها من هذا الموت اليومي وعلى ارض الواقع لا نرى سوى الصمت والسبات ومحاولات خجولة جداً لذر الرماد في العين، اصوات تشجب وتستنكر وتنادي وتغضب وتزمجر وترعد، هي اصوات فقط، الحكومة الاتحادية صامتة وكان الأمر لايعنيها في شيء، كأن الموصل عصية على التحرير، وكأنها اسطورة لا يمكن ترجمتها الى واقع، وكأن من فيها من المحاصرين ليسوا ببشر ولا يمتون الينا بصلة، وفي الجهة الأخرى هناك مشردون ومهجرون ونازحون يترقبون العودة الى المدينة ويعدون الساعات لسماع خبر تحريرها من الاحتلال، معتقلات ومعتقلون يتعذبون في سجون التنظيم ويغتصبون ويحرقون ويباعون في اسواق الرقيق، قطعات عسكرية تتحرك هنا وهناك، وتعد العدة للتحرير الذي لا أعتقد بأنه سيكون قبل بعد سنوات، قوات التحالف تشن ضربات في داخل ومحيط الموصل ببطء شديد، وهي إن ارادت فعلاً انهاء هذا الاحتلال لأنهته في غضون يومين وهذا الأمر يعرفه الجميع، وكلنا نتذكر كيف استطاعت امريكا وحلفاؤها القضاء على النظام السابق وسحق آلته العسكرية خلال ايام، ونتذكر كيف كانت السماء تتوشح بالطائرات الحربية التي انهت النظام برفة جفن ودون خسائر تذكر، فكيف لا تستطيع انهاء احتلال داعش للموصل طوال هذه المدة؟، اعتقد بأن الولايات المحدة الامريكية وحلفاؤها لا يريدون انهاء الحالة الداعشية في المنطقة ولا يريدون للفوضى هذه أن تزول، والخاسر الوحيد دائما هو الانسان البسيط الذي لا يمكن له أن يحرك حجرا من مكانه، مهما كانت قابلياته وطموحاته وقدراته، والأسئلة التي تفرض نفسها بقوة هنا هي الى متى ستبقى الموصل اسيرة ولماذا كل هذا الصمت الدولي على الجرائم الانسانية التي تحدث داخل الموصل، ولماذا لم يحاكم المتسببون بسقوط الموصل واين هي نتائج لجنة السقوط، وماهو مصير مئات الالاف من النازحين والمهجرين، وهل سيكونون كاشقائهم الفلسطينيين الذين يسمونهم عرب 48 والذين يحلمون منذ عشرات السنين بالعودة الى مناطقهم؟ الى متى سيبقى العراق مسلوب الارادة ، ضعيفا، هشّاً، تحكمه السلطات الضعيفة، يعبث به الاخرون، والسؤال الاهم هل العراق بلد منتهي الصلاحية وموجود فقط على الخارطة ام العكس، اذا كان العراق منتهياً كبلد لماذا لا يقسّم الى دويلات وينتهي الصراع ، تلك الاسئلة مستمرة بالتداول والبلاد مستمرة بالتخلف وتسير الى الانحلال بثبات. |