دور الجهاز الرقابي في العملية الإدارية

 

 

الادارة في كل دول العالم تخضع لعدد من العناصر التي تتلازم مع بعضها تتكامل فيها العملية الادارية بما يحقق أهداف ( المؤسسة ) سواء أكانت مؤسسة حكومية خدمية ، تجارية ، صناعية ، زراعية ، سياحية أم غير ذلك … أو ان تكون من مؤسسات القطاع الخاص التي تعمل في مجال التجارة أو الصناعة أو الزراعة أو الخدمات أو غيرها .. حيث تكون كل منها محكومة بشروط النجاح الذي تسعى لتحقيقه في اطار عناصر العملية الادارية الأربعة وهي ( التخطيط والتنظيم والتوجيه والرقابة ) .. ومع بداية خطوات العملية الادارية تظهر أهمية أولى عناصرها ألا وهو عنصر ( التخطيط ) والذي يكتسب اهميته من الوظيفة التي يضطلع بها في اطار وضع الاهداف التي تسعى المؤسسة الى تحقيقها وبما ينسجم مع طبيعة عملها ودورها في العملية الادارية في رسم السياسات والوسائل التي تساعد في الوصول الى تحقيق الاهداف .

ويساعد التخطيط في وضع المسارات الواضحة والمقننة في استخدام الموارد والنفقات والامكانيات والمستلزمات المتوفرة في المشروع واختيار طرق واساليب العمل الملائمة لتحقيق الاهداف في الاطار الزمني للخطة في المدى القصير أو البعيد مع توفير المرونة اللازمة لاغراض تعديل أو تحوير الخطة في ظل الظروف المتغيرة على مستوى المشروع ووضع مؤشرات التوقعات لمتغيرات المستقبل واخذ الاحتياطات لذلك والاستفادة من الخطط الموضوعة في تحديد صيغ المراقبة التي تتطلبها طبيعة تلك الخطط للوقوف على نتائجها .

          ويأتي العنصر الثاني ( التنظيم ) الذي يتصف بالعمل الجماعي الذي تشتق منه كلمة ( المنظمة ) والتي هي بالتأكيد ميدان ونتاج العمل الفرقي الواسع الذي يحتاج الى (خلية نحل) تتحقق من خلالها غريزة التنظيم الذي لم يعد مقتصراً على الانسان ، بل ان كل الاحياء في هذا الكون الفسيح تتحلى بهذه الغريزة فالنحل والنمل والطيور والاسماك تتحرك وتهاجر بنظام عجيب ، وصدق الله تعالى القول في سورة الانعام ( الآية 38 ) حين شبّه المخلوقات غير العاقلة بالأمم والتي تعطي أوضح تعبير عن التنظيم الغريزي بالانسان في تنظيمه وظواهره .

” وما مِن دابّة في الأرضِ ولا طير يطير بجناحيه إلاّ أمَمٌ أمثالكم “

وبهذا يكون التنظيم في اطار النشاط البشري عبارة عن التوافق والاتحاد بين الافراد والمجاميع الذين يعملون معاً وتترابط وظائفهم داخل ( المنظمة ) لتحقيق هدف مشترك . وهو ما يتحقق فعلاً على أرض الواقع في مجالات عمل الاجهزة والمؤسسات ذات الصفة الجماعية ، وعلى هذا الاساس فان التنظيم الذي يضم هذه النشاطات البشرية الجماعية تتحقق فيه وحدة الهدف وتثبيت أهم مقومات التنظيم ألا وهو (الهيكل التنظيمي) الذي يحدد الواجبات والصلاحيات وتقسيم العمل وتحديد المهارات وخطوط الاتصالات والعلاقات التنظيمية الأفقية فيما بين العاملين ، والعلاقات العمودية فيما بينهم وبين رؤسائهم ، والذي تتحقق في إطاره فوائد التنظيم الجيد في وحدة القيادة ونطاق الاشراف وتسهيل عمل القيادة الادارية والتوازن بين المسؤوليات والصلاحيات وفي توزيع الواجبات والمرونة في إنسيابية واستمرارية العملية الادارية .

وبعد ان يجد عنصرا التخطيط والتنظيم مسارهما في العملية الادارية يأتي دور عنصر (التوجيه ) لتعزيز دور الادارة من خلال مواجهة المشاكل وتقويم مسارات العملية الادارية في اطار الاداء والانجاز المرتقب للحالة التي يجري دراستها ، في اعقاب وضع الخطة واقرار التنظيم المطلوب حيث سيكون كلا العنصرين في حالة حركة وتفعيل باتجاه تحقيق هدف المشروع الذي يتطلب دخول عنصر ( التوجيه ) لتحقيق افضل النتائج من خلال تشخيص الاخطاء والتنسيق بين اطراف العمل المشترك وتوصيف الوظائف وتحديد البرامج الزمنية وتفاصيل العمل بشكل دقيق والتوضيح التام لخطط العمل والسياسات المرسومة لتحقيق الاهداف للسير بمقتضاها .

          حينئذ يأتي دور عنصر (الرقابة ) الذي يحتل الأهمية الأولى في العملية الادارية لكونه الحكم والفيصل في نجاحها ويوفر الرؤية الواضحة لحركة ومسارات العملية الادارية ، حيث يتم التعرف من خلاله على مدى تحقيق الاهداف الموضوعة والوقوف على الانحرافات في النتائج واسبابها وتحديد المراكز المسؤولة عن تلك الانحرافات والتي يتم في ضوئها اتخاذ القرارات اللازمة لتصحيح وتقويم الاهداف وتحقيق مضامينها المرسومة من خلال الادوات التي تستخدمها الأجهزة الرقابية بالاعتماد على الميزانيات كأداة للرقابة والبيانات الاحصائية والتقارير والتحاليل والاستنتاجات والجداول الزمنية المتحققة ومطابقتها مع أصل الخطط الموضوعة والرقابة على الانتاج ونوعية الانجاز وتحققات المصروفات والايرادات بالمقارنة مع المخطط ، والتكاليف والموجودات النقدية والارباح والخسائر التي يتحقق من خلالها كشف الانحرافات في التنفيذ والتوصل الى البدائل الممكنة لمعالجة هذه الانحرافات واحكام الحالة النظامية في كافة تفاصيل عمل المشروع وتقييم الاداء وفقاً للمعايير الموضوعة مسبقاً .      وهنا لابد من الاشارة الى ان العملية الادارية لأي مشروع تكون معرّضة الى احتمالات حصول الاخطاء والانحرافات فيما بين الاهداف الموضوعة ونتائج التنفيذ الذي يؤدي الى ضياعات كبيرة في النفقات والجهد والوقت ويتطلب المزيد من الرقابة  لتصحيح الانحرافات واعادة التنظيم مما يعزز الحاجة الى الدور الرقابي وتقوية الاجهزة الرقابية من خلال وضع منهجية عمل واضحة وسياقات علمية تضمن انسيابية العملية الادارية وتعمل على تجاوز كافة الاخطاء والانحرافات والضياعات في تفاصيل عمل المشروع المطلــــــوب وتقضي على حالات التـــــــــــــرهل وسوء الادارة والتلاعب ان وجدت .

          وقد يكون من المناسب الاشارة الى ان ضعف الادارة والعملية الادارية في العراق يعود بالدرجة الأولى الى ضعف الرقابة والاجهزة الرقابية ، بل وغياب دورها في العملية الادارية رغم وجود التشكيلات الرقابية في البعض منها إلاّ ان وجودها شكلي لا يحقق الغرض المطلوب من تقويم وترشيد وتصحيح العملية الادارية ، الأمر الذي أدى الى الكثير من مظاهر التردي والهدر في تنفيذ المشاريع وتعرض المال العام للنهب والتبذير وضياع فرص التنمية .