العراق والبنك الدولي ... قليلا في الاقتصاد وكثيرا في السياسة ..دراسة تحليلية – الجزء الأول

على خلفية مباحثات الحكومة العراقية مع البنك الدولي نرغب في القاء بعض الضوء على طبيعة ومهام البنك الدولي وتاثير هذه المباحثات على مستقبل وسيادة العراق السياسي والاقتصادي ...

كما يعلم الكثير من المتابعين السياسيين ان الدول الاستعمارية العظمى ومنذ عام 1960 حيث تم الاعلان عن حق الشعوب في تقرير مصيرها (مواثيق وقرارات هيئة الامم المتحدة )، جهدت في ايجاد طريقة يمكن من خلالها اعادة صورة المستعمر بشكل مختلف مع الحفاظ على الاهداف ذاتها. فمنذ أن تم استقلال العشرات من الدول وخاصة في أفريقيا وامريكا اللاتينية نجد ان الاستعمار قد خرج من الباب فعلا ليدخل من الشباك ثانية.

فالدول العظمى هيأت آليات وادوات متعددة بهدف اعادة التدخل المباشر بالشأن الداخلي للدول المستعمرة (فتح الميم) وخاصة فيما يتعلق بثرواتها واقتصاداتها وهو الهدف الرئيسي من الاهداف الاستعمارية ... فالضرورة حاليا لا تقتضي احتلال الدول عسكريا ولكن جعلها رهينة لدى الدول الكبرى ووضع اليد على سيادتها واقتصاداتها في اطار العلاقات الدولية ومن خلال الهيمنة على الاقتصاد الدولي باتجاه الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية.

ومن اهم الاليات والادوات التي يمكن من خلالها الهيمنة على اقتصادات الدول النامية تحديدا هو البنك الدولي الذي تم تاسيسه مع صندوق النقد الدولي بعد ان حطت الحرب العالمية الثانية اوزارها ...

البنك الدولي ظاهره وباطنه

لقد عرف العالم خلال فترة ما بين الحربين العديد من المتغيرات والأحداث في مختلف المجالات والميادين خاصة في المجال الاقتصادي الذي ميزته أحداث انهيار قاعدة الذهب واللجوء إلى نظام النقد الورقي الإلزامي، واعتماد الدول على سياسات مالية تضخمية من اجل إعادة بناء اقتصادها المتدهور .
وفي عام 1944 اجتمع ممثلو الولايات المتحدة وانكلترا و42 دولة في بريتون وودز بنيوهمشبر الأمريكية لتقرير شكل النظام المالي النقدي الجديد، وتم الاتفاق على إنشاء ثلاثة منظمات وهي منظمة التجارة الدولية ، البنك الدولي، صندوق النقد الدولي.



سينحصر تحليلنا على البنك الدولي تاركين البحث في طبيعة ومهام المنظمات المالية الى اشعار آخر...

يعتبر البنك الدولي اكبر مصدر تمويل في العالم يهدف إلى تقديم المساعدات المالية والفنية لبلدان العالم الثالث في جميع أنحاء العالم، وينصب محور تركيزه الرئيسي حول مساعدة أكثر الناس واشد البلدان فقرا، رسالته تحقيق عالم خال من الفقر. تأسس البنك بتاريخ 01 جويلية 1944 بقرار من مؤتمر دولي حضره ممثلو 44 دولة في بريتون وودز بنيو همشير الأمريكية، مقره الرئيسي بواشنطن مقاطعة كولومبيا، وهو مؤسسة تعاونية تمثل البلدان المساهمة الأعضاء البالغ عددها 185 بلدا، ويصبح البلد عضوا بمجرد التوقيع على اتفاقية تأسيس البنك الدولي للإنشاء والتعمير.

بدأ البنك الدولي أعماله بالمساعدة في إعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية وهي الفكرة التي تبلورت خلال الحرب في بريتون وودز بولاية نيو هابشير الأمريكية. وكان قرض البنك الأول من نصيب فرنسا بقيمة تبلغ 250 مليون دولار في عام 1947 وقد خصص القرض لمجهودات إعادة أعمار فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية. واستمرت جهود الأعمار موضع تركيز هام لعمل البنك وذلك في ظل الكوارث الطبيعية والطوارئ الإنسانية واحتياجات إعادة التأهيل في ما بعد للنزاعات والتي دائما ما تؤثر على اقتصاديات البلدان النامية والتي تمر بمرحلة تحول.
لكن اليوم يتمركز عمل البنك حول تخفيف حدة الفقر كهدف عام يشمل جميع أعماله. وقد سبق للبنك أن كان له طاقم متجانس من المهندسين والمحللين الماليين يعمل من خلال مكتب البنك في واشنطن العاصمة. أما اليوم فلديه وطاقم متنوع ومتعدد التخصصات تشمل خبراء اقتصاديين وخبراء في السياسات العامة ومختلف القطاعات وعلماء اجتماع. ويعمل 40% من هذه الطاقم الآن في المكاتب القطرية التابعة للبنك في البلدان الأعضاء.
وعرف تاريخ البنك بمرحلتين:
ففي خلال فترة الثمانينات، أتخذ البنك مسالك عديدة للعمل: في بداية العقد، تعامل البنك مع قضايا الاقتصاد الكلي وإعادة جدولة الديون. وفي وقت لاحق من نفس العقد، احتلت القضايا الاجتماعية والبيئية مكان الصدارة. في الوقت الذي تزايد تعبير المجتمعات المدنية اتهمت بعض هذه الجمعيات البنك بأنه لا يتقيد بسياساته في بعض المشاريع البارزة. ولمواجهة القلق حول نوعية عمليات البنك، تم إصدار تقرير وبنها نز الذي اتخذت بعده خطوات تجاه الإصلاح تضمنت إنشاء لجنة تفتيش مستقلة لتقصي الادعاءات ضد البنك. إلا أن الانتقادات تزايدت وبلغت ذروتها عام 1994 في الاجتماعات السنوية التي عقدت في مدريد بأسبانيا. ولا تزال شعوب عديدة تقف ضد سياسات البنك الدولي. وفي مرحلة تالية تقدمت مجموعة البنك تقدماً كبيراً. وأصبحت مؤسساتها تعمل - بصورة منفصلة وبالتعاون فيما بينها - لتحسين الكفاءة الداخلية والفعالية الخارجية. وعبرت البلدان التي يتعامل عن ارتياح كبير إزاء التغيرات التي يرونها في مستويات خدمات مجموعة البنك وفي التزاماها وتقيدها وكذلك ارتفاع جودتها.
يقوم البنك أكثر من أي وقت مضى اليوم بدور هام على صعيد رسم السياسات العالمية. فقد اشترك البنك الدولي وبفعالية مع الشركاء المعنيين والبلدان المتعامل معها في حالات الطوارئ المعقدة كالعمل في البوسنة في مرحلة ما بعد النزاع كذلك تقديم المساعدات في مرحلة ما بعد الأزمة لبلدان شرق آسيا والمساعدة في أعمال التنظيف بعد الإعصار في أمريكا الوسطى ودعم تركيا في أعقاب الزلزال والعمل في كوسوفو و تيمور الشرقية واخيرا في العراق ولاحقا سوريا واليمن وليبيا.

الهيكل التنظيمي للبنك الدولي.

البنك الدولي يشبه مؤسسة تعاونية – في الحقيقة احتكارية مهيمنة، وتعتبر البلدان الأعضاء فيها وعددها 185 مساهمين فيها. ويُمثل المساهمون من خلال مجلس المحافظين، وهم كبار واضعي السياسات في البنك الدولي. وبصفة عامة، يكون المحافظون من وزراء المالية أو وزراء التنمية في البلدان الأعضاء. ويجتمعون مرة واحدة في السنة في الاجتماعات السنوية لمجالس محافظي مجموعة البنك الدولي و صندوق النقد الدولي (الولايات المتحدة تهيمن على ادارة البنك بنسبة اكثر من الثلث من الاسهم).
ولأن المحافظين لا يجتمعون سوى مرة واحدة فقط في السنة، فإنهم يفوضون واجبات محددة إلى 24 مديراً تنفيذياً، يعملون في داخل البنك الدولي. ويعين كل من أكبر خمسة مساهمين، وهي فرنسا وألمانيا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، مديراً تنفيذياً، بينما تُمثل البلدان الأعضاء الأخرى بتسعة عشر مديراً تنفيذياً.
إن رئيس البنك الدولي يرأس اجتماعات مجلس المديرين التنفيذيين وهو مسئول عن إدارة البنك الدولي بصفة عامة. وقد جرت العادة أن يكون رئيس البنك من مواطني أكبر المساهمين في البنك الدولي، وهي الولايات المتحدة، وهي التي ترشحه. وينتخب مجلس المحافظين الرئيس لفترة مدتها خمس سنوات، قابلة للتجديد.
والمديرون التنفيذيون يشكلون مجلسي المديرين التنفيذيي بالبنك الدولي. وعادة ما يجتمع المديرون التنفيذيون مرتين كل أسبوع على الأقل للإشراف على عمل البنك الدولي، بما في ذلك اعتماد القروض والضمانات، والسياسات الجديدة، والموازنة الإدارية، وإستراتيجيات المساعدة القطرية، وقرارات الإقراض والتمويل.

اهداف ووظائف البنك الدولي.
تتلخص وظائف البنك الدولي في:
• العمل على تقديم التمويل الدولي طويل الأجل لمشاريع وبرامج التنمية وخاصة للدول النامية العراق نموذجا.
• تقديم المساعدات الخاصة للدول النامية، الأكثر فقرا والتي يقل متوسط دخل الفرد فيها عن إلف دولار سنويا.
• العمل على زيادة دور القطاع الخاص في الدول النامية بكل الوسائل الممكنة(على حساب القطاع الحكومي).
• القيام بتقديم المشورة والمساعدة الفنية للدول الأعضاء لمعاونتها على تحقيق أفضل الحلول لمشاكلها المتعلقة بأهداف البنك واختيار المشروعات ذات الجدوى الاقتصادية.
• العمل على تقوية البنية الأساسية للتنمية من خلال تمويل المشروعات الكبيرة ومنها سدود المياه مشاريع الري، محطات، توليد الكهرباء، السكك الحديدية والطرق.
• القيام بتطوير أدوات التحليل الخاصة بدراسة الجدوى الاقتصادية للمشروعات وإصلاح البنية الاقتصادية التي تعمل فيها تلك المشروعات (فرض شروط ).

اما أهداف البنك الدولي...
تتحدد أهداف البنك الدولي في :

- المساعدة في تعمير وتنمية أقاليم الدولة العضو وتحقيق معدلات نمو اقتصادي اعلي.

- تشجيع الاستثمارات الأجنبية الخاصة عن طريق الضمان أو المساهمة في القروض أو الاستثمارات الأخرى التي يجري بها القطاع الخاص وذلك بتقديم التمويل بشروط معقولة للأغراض التجارية.

- المساعدة في تحقيق النمو المتوازن في الاجل الطويل للتجارة الدولية.

- علاج الأختلالات الهيكلية في ميزان المدفوعات للدول النامية.

- ترسيخ قواعد السلوك للنظام المالي الدولي في كل ما يتعلق بالتحركات الدولية لرؤوس الأموال سواء في صورة قروض أو استثمارات أجنبية مباشرة أو غير مباشرة بهدف زيادة مستويات التنمية الاقتصادية ورفع معدلات النمو الاقتصادي.

- وكذلك إعادة بناء اقتصاديات الدول الأعضاء بعد مخلفات الحرب العالمية الثانية وذلك بتوفير رؤوس الأموال للاستثمارات الإنتاجية سواء في صورة قروض أو استثمارات أجنبية بغرض زيادة مستويات التنمية الاقتصادية ورفع معدلات النمو الاقتصادي.

- التشجيع على الاستثمار الدولي لتحقيق النمو وفقا للشروط التجارية في أقاليم الدول الأعضاء وتقديم المساعدة للتحول من اقتصاديات الحرب إلى اقتصاديات السلام والعمل على ربط دول العالم الثالث باقتصاد السوق (مشروطة ايضا).

- تشجيع الاستثمارات الدولية لتنمية الموارد الإنتاجية للدول الأعضاء بهدف الوصول إلى مرحلة النمو المتوازنة للتجارة الدولية في الأجل الطويل والمحافظة على توازن المدفوعات.

- إجراء عملية تصنيف المشروعات الاقتصادية الأكثر نفعا من اجل إعطائها الأولوية في الانتفاع من القروض والتسهيلات الاستثمارية.

مكونات البنك الدولي.

إن توسع البنك الدولي في تقديم قروض للهيئات العامة والخاصة في أقاليم الدول الأعضاء وما يتطلب ذلك من تلبية احتياجات التنمية لجا البنك إلى إنشاء منظمتين تابعتين لهما:

اولا - مؤسسة التمويل الدولية:

تم إنشاؤها في 24يوليو 1956 وأصبحت وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة في 20 فيفري1957 ورغم ارتباطها بالبنك الدولي إلا أنها كانت لها شخصية قانونية مستقلة بأموالها المنفصلة عن أموال البنك وكان الهدف من إنشائها رفع حالة الضمان الحكومي لإقراض المشروعات الإنتاجية الخاصة في أقاليم الدول الأعضاء والمساهمة على إيجاد فرص الاستثمار لرؤوس الأموال الخاصة المحلية والأجنبية كما أنها تشجع الاستثمار الموجه للإنتاج ومنه زيادة معدلات النمو خاصة لدى القطاع الخاص خصوصا في مجالات الصناعة والتعدين ويرتكز النشاط الأساسي لمؤسسة التمويل الدولية في تقديم المساعدات للدول النامية من اجل تنمية القطاع الصناعي.

ثانيا - رابطة التنمية الدولية:

إن الحالة الاقتصادية المتدهورة للدول النامية في الخمسينيات وصعوبة الحصول على رؤوس الأموال لتمويل المشروعات الاستثمارية خاصة تلك التي عرف المستثمرين الأجانب المساهمة فيها والتي لا تحقق عائدا اقتصاديا مثل مشروعات الطرق، السكك الحديدي، قطاع الطاقة,وقطاع السدود والمياه.

وتتميز هذه الرابطة بعدة صفات هي:

1. مرونة تعديل بنود الاتفاقية حيث يتم بواسطة المحافظين على عكس البنك الدولي حيث توجد إجراءات معقدة لتعديل أي بند من بنود الإنشاء.

2. ان عدد الدول المساهمة في الرابطة اكثر من عدد الدول المساهمة في مؤسسة التمويل الدولية وخاصة من قبل الدول النامية ويرجع ذلك الى نسبة فائدة القروض وسهولة التمويل

3. تعتبر الرابطة صندوق للاقتراض المسير تتم ادارته بواسطة البنك الدولي ولا تعتبر مستقلة عنه مثلما هو حال مؤسسة التمويل الدولية

4. لها اكثر من مورد مالي اولها حصص الدول الاعضاء ,ثانيها المساهمات الاضافية التي تقدمها دول المجموعة المتقدمة على سبيل الهبة ,ثالثها اقتراض الرابطة من العمليات الاستثمارية التي تقوم بها