شكراً سعدون جابر

لو كانت التقاليد الصحفية تسمح لي بكتابة جملة (شكراً سعدون جابر) عنواناً لكل صفحة من صفحات الجريدة، لفعلتها، وملأت بها جريدة الحقيقة، وأنا في غاية الفرح، والفخر أيضاً..


وإذا كانت مساحة الجريدة تستوعب بعض مشاعري تجاه مبادرتك الرائعة، وتفي صفحاتها بنقل ما يعتمر في صدري من حب، وشكر، وامتنان نحوك، لشغلت هذه المساحة بكلمات الحب والامتنان لك أيها الفنان الوطني الجميل.. والإنسان الأجمل، بل ولكتبت (شكراً سعدون) بالخط العريض الأحمر على طول وعرض الصفحة الأولى من جريدتنا (الحقيقة) .. ولكن ليس كل ما يتمناه الصحفي يدركه..


والآن، وكي لا يضرب البعض من القراء الكرام أخماساً بأسداس، أو يضعوا سيناريوهات، وقصصاً وحكايات عن سر كتابة هذا المقال.. وسر هذا (المديح) لفنان عراقي دون غيره من الفنانين العراقيين.. سأقطع الطريق من بدايته، وأختصر عليهم المسافة، وأقول:


لقد قام (الفنان) العراقي سعدون جابر أمس -وهو ليس واجبه طبعاً – بعمل كبير، وإنساني، لم يقم به غيره من (المتدينين)، وغير المتدينين، سواء أكانوا ميسورين.. أم (واگعين).. وهذا العمل الكبير الذي قام به (أبو فاطمة) يتلخص باستجابة فورية وسريعة جداً، لما عرضته في مقالتي أمس عن حال أم الشهيد المظلومة في قضاء الكحلاء، والتي نشرت في جريدة الحقيقة، وفي مواقع، وصفحات الكثير من الأصدقاء في الفيسبوك، من بينهم صفحة الصديق عباس غيلان..


وقد تجلت روعة الفنان الحقيقي بهذا الموقف السريع الفاعل والحاسم الذي أعلنه امام العالم كله، ليصفع به الفاسدين من السياسيين، ورجال المال والأعمال ( والدين)!!


فكتب تعليقاً صريحاً واضحاً، لا لبس، ولا غموض فيه، نشره على (العام)، يشكرني فيه أولاً على كتابة هذا المقال، ثم يعلن عن تبرعه رسمياً، لهذه الأم المرأة العمارية النجيبة ولابنها المقاتل بسكن وراتب شهري مدى الحياة..


واسمحوا لي أن انقل لكم نص تعليق الفنان الكبير سعدون جابر، كما هو منشور بصفحته، وباسمه وصورته ومدوناته التي نعرفها جميعاً.. حيث يقول سعدون: (يا ريت تتدخل يا أخي وتوصل لها خبر هي وابنها المقاتل، انا مستعد اوفر لها شقة عندي في بغداد، مع راتب يكفيها مدى الحياة، من خير الله).






أرأيتم الجمال والحب والتآخي والوطنية والإنسانية والمروءة والكرم الذي فعله سعدون جابر بهذه اللفتة الإنسانية، والمبادرة الوفية.


أرأيتم الإسلام الحقيقي -يا من تتشدقون باسم الإسلام -كيف ترجمه سعدون جابر في شهر الله المبارك.. شهر رمضان العطاء؟


أرأيتم -يا من تكتنزون اموال الدنيا كلها -وأغلبها حرام- كيف يبادر (الفنان)، فيعطي من حلاله ما لاتعطونه انتم، بل ولا تفكرون فيه أبداً؟ والسؤال الآن: لماذا فعلها سعدون جابر(وهو رجل مطرب)، لا يفكر بالترشيح للبرلمان، أو للوزارة، ولا يسعى لنيل الرضا من أحد -مهما كان هذا الأحد -كما لا يريد الرجل شكراً أو تثميناً مني أو من غيري! وهو طبعاً لم يسع للشهرة، فسعدون جابر كما يعرف الجميع (شبعان) بل ومتخوم من الشهرة.. لقد فعلها سعدون من اجل أن يرضي الله، ويرضي ضميره، وانسانيته، ووطنيته.. بينما لم يفعلها غيره.. رغم أن المقال نشر في سبعين موقع انترنت وصفحة فيسبوك، وقد اطلع عليه اكثر من مليون (مليونير) فاسد وشريف في العراق، وخارجه! فلماذا لم يستجب أحد لنداء الإنسانية، ونداء الوطنية (العراقية)، ونداء الدين (الإسلام) ونداء المذهب (الشيعة) ونداء الاقليم (الجنوب)، ونداء القومية (العربي)، وغير ذلك من النداءات الحماسية التي يكفي كل واحد منها ان يشعل حرباً ضروساً، أشبه بحرب داعس والغبراء؟ ولماذا لم يسمع أحد (نواعي) هذه العراقية المفجوعة الصابرة التي تهز بصراخها الأرض هزاً، سوى سعدون جابر، وبعض العراقيين الطيبين الذين بكوا لبكائي في المقال، او لبكاء الإعلامي الشاب عباس علي، الذي أجرى المقابلة مع أم الشهيد و أنجز مقطع الفيديو الموجع؟


لماذا لم يبك مثلاً رئيس الجمهورية العراقية على مصيبة هذه العراقية؟. وأين يمكن ان أجد رئيس الوزراء العراقي في مثل هذه الحالات الكارثية، لأضع أمامه مقطع الفيديو عسى أن يسمع ام الشهيد كيف تنعى، وتنادي على ولدها الشهيد (سجاد)، الذي استشهد هناك، فتقول:


(كون الگبر يفتحلي بابه.. واشوف الولد واسمع عتابه.. سجاد يمه)! وأين أجد رئيس البرلمان العراقي.. ونوابه الميامين، لأقول فيهم كل ما في صدري من كلام. وأين الوزراء والوكلاء والمديرون (النزهاء) حين نامت ام الشهيد سجاد في (الچول)، وعين الله ترعاها؟


دلوني على السادة السياسيين، والسادة المعممين، والسادة الماليين، والمصرفيين، خصوصاً الفاسدين منهم.. لأسمعهم كيف (تثغب) الحرة حين تهان..!!


أيها العراقيون اسمحوا لي نيابة عنكم أن أشكر الفنان الشريف سعدون جابر، خاصة، وإننا في زمن بات فيه (الشرف) عملة نادرة جداً..