الذبابيون تكاثروا |
أغلب الظن إنّ أنفلونزا الذباب هي أقدم وأبشع الأمراض والأوبئة المستوطنة في مجتمعاتنا منذ قرون. فهي أشد فتكا ودمارا من أنفلونزا الخنازير, ووخز الدبابير, ووقاحة الزرازير. ولا يحمل فيروساتها الخبيثة إلا الذين اعتنقوا فلسفة الذباب, ولؤم الذئاب, وآمنوا بمبادئ المنهج الذبابي الانتهازي الميكافيلي. . فالطفيليون والنفعيون عادة ما يحومون كما الذباب على موائد وقدور أصحاب الوجاهة والنفوذ, الذين سبقوهم في التربع على منصات الزعامة والسلطة. وهذا هو ديدنهم, وهذا هو جوهر فلسفتهم الذبابية المنبعثة من مستودعات التفسخ الأخلاقي . يمتلكون حاسة شم خارقة. ولديهم القدرة على التمييز بين الأكتاف التي سيأكلونها. وبين الأكتاف التي سيتسلقون فوقها, ويعرفون كيف ينشرون أجنحة الاحتيال، وكيف يستخدمون أسلحة الاغتيال. يتقنون التزلف والتملق كحرفة دنيئة لا يجيدها غيرهم. يتفننون في التودد لمن هم في الأعلى. يتعمدون الإساءة لمن هم أكفأ وأشرف منهم. يحيكون المؤامرات والدسائس. ينصبون الفخاخ. ينسجون الأحابيل. فانغمسوا في ممارسة الرذيلة, وضاعوا في سوء الكيلة. حتى انقلبت عندهم مفاهيم العدالة والاستقامة رأسا على عقب. وصار التعدي على المال العام في نظرهم شطارة. والكذب عندهم مهارة. والدين تجارة, والحيلة فطنة. والصدق بلاهة. . لقد سبق وأشرت إلى خطورة أصحاب الوجوه الهلامية, وحذرت من ذوي الأخلاق الزئبقية. وسبب عودتي لهذا الموضوع. هو حالة الاستياء والتذمر والقلق, التي تساور الناس هذه الأيام. خصوصا بعد انتشار أنفلونزا الذباب, وتغلغلها في أروقة المؤسسات الإدارية والسياسية والتنظيمية. فقد فاحت روائح الفساد حتى أزكمت الأنوف.. وتكشفت الحقائق للقاصي والداني. ولم تعد تلك المظاهر الخدّاعة تنطلي على الناس, وسقطت الأقنعة المزيفة عن الوجوه المتسترة بجلباب الورع والتقوى. وفشلت أساليب الغش والتحايل. وظهر المفسدون على حقيقتهم المشينة. بعد أن انتحلوا من الخصال ما يتناقض مع غرائزهم الحيوانية. وتقمصوا منطق التضليل والتلفيق والمراوغة. وتلاعبوا بالألفاظ والمواقف. واتخذوا من المزايدات الطائفية والولاءات القبلية مطية لهم. وهكذا سقط الذين يحملون فيروس أنفلونزا الذباب في مستنقعات الخزي والعار. وفقدوا احترام عامة الناس. بعد أن أصبحوا يمثلون صورة من صور الانتهازي الجشع, الذي يعرض قضايا أمته للمزاد في سوق الدعارة السياسية. ويتاجر بآلام الفقراء والبائسين. ويقامر بمصلحة أمته ووطنه في سبيل تحقيق مصلحته هو شخصيا, ويستغل طيبة الناس وسذاجتهم لضمان منفعته الذاتية. فالذبابيون عبيد للذات والمال والجاه. ألا تراهم كيف يتقافزون كالقرود على سلالم السيرك السياسي, وكيف يستثمرون الأزمات المحلية. لِيُحرِّكوا مصالحم الخاصة. أو ليتكسَّبوا من مصائبنا وأوجاعنا. أما إذا تَولَّوْا منصبًا من المناصب. وصارت مُقدَّراتُ الأُمَّة وأموالُها بين مخالبهم. رأيتَهم يَنهبون منها على هواهم. ويَتلاعبون بحقوقِ النَّاس وَفقَ ما يشاؤون. ويتهافتون على جني المزيد من المنافع والمكاسب. وليشرب الناس من البحر. حتى سَئِمَ النَّاسُ الحياةَ معهم، والعيشَ بجوارهم مِن كثرة صَفاقتِهم وحَقارتِهم. وأشد ما يزعج الناس. إنّ هؤلاء المصابون بأنفلونزا الذباب. يمارسون أسوأ أنواع نكران الجميل, في القول والفعل. ويتعاملون بصلف وصفاقة مع من لهم الفضل عليهم. وهكذا فضحوا أنفسهم بأنفسهم. وفقدوا احترام الناس لهم. وخسروا الدنيا والآخرة بسبب ممارساتهم المبنية على الزيف, والدجل, والنفاق, والضحك على ذقون الناس السذج, الذين ربما انخدعوا بعباراتهم المنمقة, وتصرفاتهم الملفقة. لذا لابد من كشف زيف هؤلاء. وتشخيص خداعهم. وفضح خزعبلاتهم. ولابد من إعلاء صوت الحق, ليجلجل مدويا في فضاء الحرية. ومن دون خوف أو تردد. عندئذ نكون قد أسهمنا في التخلص من الفيروسات المسببة لأنفلونزا الذباب, ونجحنا في الوقاية من شرورها. فأما الزبد فيذهب جفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال. صدق الله العظيم. . |