مشروع إقتصادي أم حلم قومي

 

عندما استفاق العرب مطلع القرن المنصرم، طرحوا مباحث وحجج وحتى اهازيج، يؤكدون بادراك مبكر انهم ذوو مصير مشترك، رفعوا في تمسكهم فيه الراية الموحدة وانطلقوا بالرؤية الجمعية لما التفوا حوله، لخلق وجه سياسي لعروبتهم في سعيها للنهوض والتقدم.ووجدت المجتمعات العربية نفسها ضمن اطار محكم يموج بافكار ومشاريع فكرية وثقافية مهمة واحيانا عاتية تدعو لتوحيدها. وقد تبلور ذلك في العام 1935 عندما صدر كتاب عن هيئة دستور من (60) مادة اطلق عليه الكتاب الاحمر، وشارك في مناقشة مواده مفكرون شباب من بلدان عربية متعددة، فمن لبنان كان كاظم الصلح وقسطنطين رزيق وتقي الدين الصالح وفريد زين الدين ومن العراق صديق شنشل وسعيد فتاح الامام ويونس السبعاوي ومن المغرب علال الفاسي واحمد بلفريج ومن فلسطين اكرم زغيتر ومحمد شقير وخلوصي الخيرة ورشاد الشوا وواصف كمال ومن مصر الدكتور محمد صلاح الدين واخرون.وقام بصياغة مواده كاظم الصلح وقسطنطين زريق وفؤاد مفرج الذي قتل في حادث غامض في الولايات المتحدة.ومما يعكس درجة الوعي لدى تلك المجموعة هو متانة الصياغة والتبويب وشمولية المواد التي تألف منها الكتاب على جميع الفعاليات السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والدولية.وهذا تراث خصب ظهرت قوى استحوذت عليه واثبتت الايام ان هذه القوى كانت جزءاً مما كان مبيتاً من البرامج لتشويه الاواصر التي كانت تجمع بين المشرق العربي ومغربه. وادى الانكفاء الى القطرية الى ان يدب الضعف والضمور في اوصال كل بلد عربي وغابت عن الجميع اهمية الاندماج الاقتصادي وما سينتج عنه من انطلاقة حقيقية لاثبات الوجود والنهوض والتطور.لو نظرنا الى الخارطة لشاهدنا ان البلاد العربية ارض شاسعة تمتد من جبال فارس شرقاً الى المحيط الاطلسي غرباً ومن جبال الاناضول شمالاً الى بحر العرب وهضاب الحبشة جنوباً معضمها صحارى خالية من السكان الا ما ندر، ومع ذلك فان الصلات فيما بين كل هذه الاصقاع المترامية الاطراف لم تنقطع وشائجها وكانت على الاقل تنتفع اكثر من يومنا هذا بوسائل الانتقال البسيطة اغلبها ظهور الدواب او دبيب الاقدام.ويؤكد انتفاعها هو ما حققته في امتداد الثقافة والعقيدة واخذها مواقعها المعرفة في الدواوين والمجلدات.واذا لم نختلف على ضرورة التضامن بين البلاد العربية وتنمية وتمتين العلاقات البينية، وعلى ان الاعمار يجب ان يشملها جميعا في وقت واحد، وهذا يستدعي ان تقوم هناك مشاريع مشتركة عابرة للحدود فيما بين هذه البلدان واهمها هو طرق المواصلات التي لم يقم الاتحاد الاوربي الا على اساس انها هي البنية التحتية التي تقود على ربط بلدان الاتحاد بخطوط سكك حديد ساهمت في التنقل والنقل وارتبطت هذه الخطوط بخطوط الاتحاد السوفيتي واقطار شرق اوربا رغم الاختلافات الايدلوجية، اذ كان باستطاعة المسافر ان يركب القطار من محطة روما متجها الى موسكو وهو ما شاهدته في حقبة السبيعنات. ان ربط الاصقاع العربية على اتساعها بهكذا وسيلة اتصال و انتقال، تخترق الفيافي والقفار، عبر محطات تقام للوصول او الراحة تتحول فيما بعد الى مستوطنات تتسع بمرور الزمن لتستوعب الزيادة السكانية ولا تترك الاراضي والصحارى خالية بل ستعمرها وتزرعها بعد ان تعرف كيف تستخدم المياه التي تقوم عليها الرمال.وبالتأكيد فان هكذا مشروع سيخدم البلاد العربية ويمكن الاخرين من استخدامه في تنقلاتهم ونقل السلع والبضائع. وهذا هو ما يؤكد على الجدوى الاقتصادية للمشروع التي يقتنع العالم الغني بها ليساهم في تمويلها عن طريق المنح والقروض او الاستثمار ولنا ان نتخيل اعداد البشر التي ستستوعبها المدن الجديدة التي تتغير الحياة مع قيامها بالضرورة، وباحكام التطور.