رؤية إجتماعية للفساد

أصبح الفساد اليوم أكثر مفردة  تترد في الشارع السياسي والشعبي ، وعلى مستوى العامة من الناس ، وتتنافس مع مفردة الارهاب على التخريب وتدمير المجتمعات والاوطان ، ولذلك كان صحيحا وصف الاثنتين  بانهما وجها عملة رديئة واحدة…

ومع الاسف الشديد لا تزال دول عربية واسلامية منذ مدة طويلة   تقع ضمن قائمة الدول الاكثر فسادا في العالم ، رغم الثروات الهائلة التي تتمتع بها  بعض هذه المجتمعات ، ويفترض أن تكون محصنة بفعل القيم والمبادىء التي تدعي الايمان بها …

فقد تجد مبررا لدولة فقيرة  مثلا أن يكون فيها فساد  كبير ، ولكن كيف  تجد عدزا لفاسد في دولة غنية ، ويتسلم راتبا ضخما مع توفر كل مستلزمات الحياة له ..؟..

فليس هناك ما هو أخطر على الدول  والمجتمعات اليوم من الفساد ، لأنه إخترق أثمن شيء  في الانسان ، وأسقطه وهو الاخلاق ،عندما أتاح الفاسد لنفسه أن يأخذ  ما ليس له حق فيه ، وعندما يكون كذلك ، لا يصح أن يؤتمن حتى على عياله …

وعندما يصل الفساد الى درجة أن يكون ظاهرة خطيرة  في دولة ما ومفردة تتردد  كثيرا ، يعني ان القانون غائب ، أو عجز من أن يحد منه ، أو لم يكن مؤثرا في القضاء عليه  ، أو لبراعة من يرتكبه في الافلات منه ، أواخفاء معالم الجريمة …

 وفي حالة غياب القانون ينبغي أن يأتي دور المجتمع ،  في  انزال القصاص العادل  بالفاسد بعزله اجتماعيا، وخلق بيئة مضادة للفساد  وتفعيل القانون الاجتماعي ، أو ما يسمى بالعرف من  خلال  فرض العقوبة الاجتماعية ، وهي أمضى الاسلحة في القضاء على أي ظاهرة غريبة عن طبيعة المجتمع وتقاليده وقيمه ومنها الدين  …  فلا يجوز ان يسكت المجتمع عن الفساد … فعندما تنشر الرشوة والمحسوبية والفئوية والكتلوية وتتغلب المصلحة الخاصة الضيقة مثلا  ، تضيع المصلحة العامة ، ويصبح التجاوز على القانون شطارة ، والتنافس بين الفاسدين على الاستحواذ  على المال العام (مشروعا او جائزا ) وفرصة ينبغي استثمارها للمصلحة الخاصة ..  وفي هذه الحالة يصبح التجاوز مسالة طبيعية لغياب القانون والقبول الاجتماعي به ،  كما حصل في التعامل مع الشارع  والارصفة ، والمساحات الفارغة ، وهي ملك عام لكل الاجيال  وقس عليها ما يماثلها من امثلة في التجاوز على المال العام …

وفي هذه الحالة يكون من المستحيل الاصلاح ، لانه يضر ليس بالفاسدين في الدولة  فقط ، وانما بمن فسد من المجتمع ، أو من إرتضى التعامل مع تلك الظواهر الفاسدة ، وقبل بها وأصبحت في ( حكم الطبيعية )  في المجتمع ما دام يغض النظر عنها .. وعندها يصبح من الصعوبة بمكان اصلاح الحاكم  الفاسد ، او محاسبته ، لان فساده كان من فساد المحكومين على حد ما ذهب اليه الزعيم المصري سعد زغلول ..  وهذا اخطر حالات الفساد…

 ولهذا فانه يصبح لزاما تفعيل العرف الاجتماعي ،  لانه الملاذ الاخير لمحاربة الفساد بسبب ضعف القانون ، وفضح الفاسد امام الملأ ، وكشف حقيقة وضعه المادي السابق عندما لا يكون بمستوى يساعده في تحقيق طفرة مالية كبيرة بسرعة لا تتناسب مع ذلك الماضي ، وتفعيل مبدأ ( من أين لك هذا ) اجتماعيا بعد أن فشلت الجهات المعنية من تحقيق مضمونه رسميا… ويكون للاعلام  ومنظمات المجتمع المدني دور مؤثر في هذا الاسلوب الجماعي …

وبذلك تكون محاربة الفساد قيمة مجتمعية عليا ، لها فعل اقوى من القانون عندما لا ياخذ مجراه في اجتثات الفساد  والفاسدين تحت أي سبب …

{{{{{

كلام مفيد :

قلب الام مدرسة الطفل … ( بيتشر ).