ما يحصل اليوم في المنطقة ، لا يمكن تصور تفسيره خارج إطار نظرية المؤامرة التي يرفضها البعض في التحليل وارجاع الامور الى اصولها ... فهو ليس وليد الصدفة ، وانما هو مخطط قديم ، يجري تنفيذه بعناية فائقة على مراحل زمنية ، وبمسميات تبدو للبعض طبيعية ، لكنها تفضي في النهاية الى الهدف وهو التقسيم ( بالتقسيط المريح لهم ) ، وتغيير الهوية ، ابتداء من نظرية برنارد لويس التي وافق عليها الكونغرس الامريكي عام 1983 ، ومرورا بهنري كيسنجر، وصولا الى جو بايدن الذي دعا الى تقسيم العراق الى ثلاثة أقاليم ، وكأنه دولة يصعب إدارتها إن لم تتقسم الى أقاليم ، وفيدراليات ، وكونفيدراليات ، أوكأنه بمساحة روسيا أوكندا أو أمريكا ، أوبنفوس الصين ، أو عدد اللغات والقوميات والاديان في الهند ..!! وتقوم نظرية ( برنارد لويس ) التي تدور في فلكها خطط التقسيم على جعل دول المنطقة 88 دولة ، بدلا من 56 ، وكان نصيب العراق منها ثلاثة ، وقد تحقق منها الى الان تقسم السودان الى دولتين في الشمال والجنوب ، والثالثة مؤجلة الى ظرفها المناسب .. ولك أن تتصور أهمية برنارد لويس عندما يقول هنري كيسنجر أنه تعلم من كتاباته الكثير ... فأمر في غاية الغرابة ان تكون ( الديمقراطية ) طريقا الى التفكك والفوضى والتناحر وتنتهي بالتقسيم لا سمح الله ... فهل الديمقراطية في كثرة الاحزاب والاقاليم .. وهل الادارة السليمة في الفيدرالية فقط او في زيادة عدد المحافظات ... وهل الحصول على الحقوق يأتي من خلال تفكك البلاد ، وحل الخلاف يكون بتشضي الوطن ... والحجة الدستور ... والدستور الذي يستند اليه من يدعو الى تشكيل إقليم أو غيرها ، ليس أقدس من كلام الله عز وجل ، عندما عد الطلاق أبغض الحلال اليه ، ولو إستند الازواج ، على سماح الباري عز وجل بالطلاق ، ولجأوا اليه ، في كل خلاف بسيط ، يحصل بين الزوجين ، لما تكونت أسرة متماسكة . والسياسيون انفسهم يعترفون أن هناك ملاحظات كثيرة على الدستور ، وفيه الغام ، وقد ترك الباب مفتوحا لتفكيك العراق ، وتهميش المركز ، واضعاف المواطنه ، ومع ذلك تظهر بين مدة واخرى دعوة ، وتتجدد أخرى ، هنا وهناك ، لتشكيل إقليم ، وصعودا الى الكونفيدرالية أو الاستقلال وتقرير المصير ، ونزولا الى تحويل هذه المدينة أو تلك الى محافظة ، وكأنه هو الحل الأمثل في تقديم الخدمات ، أو لحل الخلافات ، رغم ما تواجهه البلاد من هجمة إرهابية تدميرية ، أجهزت على ما لم ينله الاحتلال في حينه ، وحولته الى ركام ، وتراكم من الاحزان والمشاكل والازمات . وكما أنه ليس كثرة الاحزاب دليل عافية ، وأمامنا الولايات المتحدة ، التي يتنافس فيها حزبان على الرئاسة ، وليس خمسمائة حزب أو يزيد .. كذلك ليس كثرة الاقاليم ، وضعف المركز، دليلا على الادارة السليمة ، والديمقراطية الرشيدة ، والطريق الأمثل لخدمة المواطن ، وكأن الخدمة بمستواها ( الديمقراطي الحضاري ) لا تقدم إلا من خلال تقسيم العراق الى أقاليم ، ولا طريق أخر غيرها ، لحل المشاكل الادارية والتظيمية والسياسية والخلافية . أن المواطن تهمه بالدرجة الاساس الخدمات والأمان ، ومستوى تطور مدينته ، وليس تسلسلها الاداري ، فهناك قرى في العالم أفضل بكثير من مدن كبيرة ، يهرب اليها من ينشد الراحة بعيدا عن الضجيج والزحام ، وفيها من وسائل الراحة ما تتقدم بها على مدن كبيرة.... فهل من شروط الادارة الديمقراطية الناجحة ، تفكيك الوطن وتقسيمه تحت مسميات كثيرة ، وتضيع وحدته الشعبية ، ويمن بعضه على الاخر ، بما حبا أرضه من ثروات ، تركزت في هذه المنطقة ، وحرمت منها أخرى ؟؟.. وهل الديمقراطية في كثرة الاحزاب وتوزيعها بالتساوي بين المواطنين ، والعدالة في تشكيل الاقاليم ، والطموح لما هو أكبر ، وصولا الى ما تريد ما دام الدستور يجيز ... وليس لنا غير ان نقول ...رحمة بالعراق ..
|