واحدة من تجليات رجال السلطة في العراق بعد إسقاط نظام البعث، هي ترويج أنماط ومفاهيم جديدة للسياحة بعيدا عن مفهومها السابق، حيث إن النظام السياسي العراقي الجديد يرفض فكرة السياحة أساسا، لأنه ببساطة نجح في تعطيل دوام الدولة برمتها لما يقرب من نصف أيام السنة، تحت مختلف التسميات والمناسبات، وابتكر نوعا آخرا من السياحة غير الدينية التي تميز فيها، إلا وهي السياحة السياسية والثقافية والفكرية، من خلال عقد مؤتمرات وندوات وزيارات وفود وورش تدريب، ينفذها متخصصون مخضرمون، خاصة وان معظمهم بعيدون عن السياسة والثقافة والفكر، وتميزوا تاريخيا باستثمار أموالهم على مختلف المسارح والحبال، وبالتأكيد جلهم من خريجي مدرسة اللف والبلف والدوران والسحت الحرام في عهد النظام السابق، ومن شركاء نجل الرئيس صدام حسين وصهره حسين كامل وشلتهم، فهم متخصصين في تبييض الأموال ( على شاكلة مبيضي الأواني النحاسية أيام زمان ) ومن أصحاب الدكاكين الإعلامية وأحزاب الزينة التي أنتجتها حقبة برايمر والسفارة الأمريكية، والأغرب إن العديد منهم ما يزال رغم كل أمواله وامتيازاته وبلفه يتلقى رواتب الرعاية الاجتماعية في بعض دول اوربا التي يحمل جنسيتها جنبا إلى جنب مع جنسية العراق العظيم جدا! هؤلاء ( الحبابين ) ينتشرون في العواصم القريبة ذات الظلال الناعمة والليالي الخلابة في بيروت وعمان واستانبول ودبي وأخيرا في باريس التي فشل رئيسها فرانسوا هولاند في احتضان أتباع الرئيس صدام حسين الصديق الصدوق للرئيس جاك شيراك، وربما استبدلهم بسياح آخرين يمارسون نوعا من السياحة السياسية ( برؤوس العراقيين )، ناهيك عن مئات المؤتمرات السياحية الثقافية والفكرية التي تقيمها دكاكين منظمات المجتمع المدني أو مراكز الدراسات والبحوث الديمقراطية، التي انتشرت بعيد سقوط أنظمة الحزب الواحد والزعماء الاوحدين واستبدالهم بتنظيم الدولة الإسلامية الديمقراطية للعظم، أو بأحزاب تقلد تقليدا أعمى كل ممارسات البعثيين وقائدهم الفذ أو المؤتمرات الشعبية وقائدها زعيم الثورة العالمي وملك ملوك أفريقيا معمر القذافي ومن ماثلهم من الخلفاء العظماء أو مختارين العصر الحديث. ولا عجب فقد أصبح للسياحة أشكالا وأنماطا غير التي في أذهاننا، حيث السياحة العلاجية التي تستقبل (المريض وخاصة مرضى البواسير والضعف الجنسي وتشوهات الأسنان والوجه) من باب الطائرة إلى المستشفى الفندقية ذات الخمسة نجوم، بشرط أن يكون الشخص متمتعا بصحة حصانية جيدة وأموالا مكدسة لا يعرف أين يصرفها، وأخرى سياسية أو ثقافية أو إستراتيجية على شاكلة المحلل الاستراتيجي أو الخبير الاستراتيجي التي انتشرت هذه الأيام في الفضائيات العربية، وثالثة تلك التي تقوم بها وفود الحكومة أو البرلمان بزيارات جدا رسمية وتتضمن برامج وفقرات ليس فيها واحدة تهم البلاد!. والغريب إن معظم هذه المؤتمرات والزيارات والاستراتيجيات تقام في عواصم الأنس والفرفشة، لكي يمنح الإستراتيجيون فاصلا للاستراحة والمتعة وإعادة النشاط الاستراتيجي للسياحة الفكرية والسياسية وذلك لإنقاذ شعوب الربيع العربي المغمس بالدماء والجوع والهجرة إلى المجهول! لا غرابة فنحن ننتمي إلى موطن شهريار وشهرزاد والأمل الذي يغتال في كل صباح!
|