لا يعيش العراق حالة من التفكك والتمايز الاجتماعي منذ عام 2003، عام الاحتلال الأمريكي، فحسب، بل يعود الأمر الى سنوات حكم صدام حسين وتحديدا مع بدء الحرب العراقية الإيرانية عام 1980 حيث رسخ صدام حسين تقسيم المجتمع طائفيا - بين سني وشيعي - وعمق من جذور الطائفية بشكل سافر عندما كان يتسائل في لقاءاته بالمواطنين البسطاء : "هلك مين ومن يا فخذ انت ومن اي عشيرة ووو ... بل زاد صدام حسين من حقده على الشيعة عندما قام بضرب الأضرحة المقدسة بالمدافع والقوة الجوية، وما قام به من دمار وقتل واعدام في الدجيل، وتسفير مئات الالاف من الشيعة الى خارج العراق، واعدام ابنائهم بدم بارد وما اكتشافنا للمقابر الجماعية إلا الدليل القاطع على طائفيته المقيتة ضد المكون الشيعي وغير ذلك من السلوك اللاإنساني ضد ابناء الشعب بعربه وكرده.
واليوم، وبعد قيام الولايات المتحدة الأمريكية باحتلال العراق تحت شعارات الحرية وحقوق الإنسان والتنمية البشرية، تم اعتماد خطة " فرق تسد " الاستعمارية لعلمها بان استغلال مظلومية الشيعة في عهد صدام حسين هو السلاح الأنسب في الهيمنة على مقادير البلاد السياسية والاقتصادية والتخلص كليا من بقايا حزب البعث باعتباره خطر على امن المنطقة، البقايا المتمثلة باغلبية سنية كانت تدير شؤون الوطن والمواطن في ظل حكم تعسفي ظالم ضد المكون الشيعي تحديدا ...
ونتيجة لمثل هذه التداعيات الطائفية بعد عام 2003 حيث انقسم المجتمع العراقي الى مكونات طائفية شيعية مرحبة بالتغيير وسنية وقفت ضد العملية السياسية برمتها. وقد شهد العراق مقاومة عنفية قاتلة من قبل المكون السني (بشكل عام) ضد قوات التحالف وضد ابناء الشعب العراقي من المكون الشيعي من خلال استخدام الاليات المفخخة والتفجيرات متعددة الاشكال ضد الاحياء الشعبية في المناطق التي يسكنها ابناء الشيعة، الأمر الذي زاد من االاحتقان الجماهيري وأدى الى تشكيل مليشيات للحد من تطرف المد السني الطائفي المناهض للعملية السياسية دفاعا عن النفس. والجدير ذكره ايضا أن هذه المليشيات قامت باعمال انتقامية استهدفت شخوص سنية بعثية واجتثاث ما يمكن اجتثاثه من اعوان ومؤيدي صدام حسين. لقد بالغ المكون السني في معارضته للعملية السياسية ورفض الاندماج بالعملية السياسية أو المشاركة في ادارة الدولة مع باقي مكونات الشعب بدءا برفضهم خوض الانتخابات عام 2005 وانكفائهم على ذاتهم بعيدا عن الطموحات الشعبية في قيام نظام ديمقراطي مدني يشمل كل الاطراف ويحتضنهم جميعا ...
فبعيدا عن التجاوزات الأمنية والتداعيات المصاحبة للصراع الطائفي التي افرزتها طبيعة التغيير عام 2003، ومن أجل اعادة اللحمة الى الصف الوطني لبناء عراق موحد يهدف الى الرفع من المستوى الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، ولتحقيق ذلك وجب على المكون السني:
- رغم ان العملية السياسية أفرزت الكثير من الاخطاء على الصعيدين السياسي والاقتصادي وجب على المكون السني الاقرار بالأمر الواقع وأن لاعودة الى المربع الأول (عودة نظام البعث) وأن التغيير مستمر لبناء نظام سياسي مبني على أسس غير ما كان عليه النظام البائد.
- على المكون السني ان يرتفع بمستوى الوعي والادراك بأن مظلومية الشيعة كانت وراء النقمة الشعبية ضد كل من وقف ضد عملية التغيير وبالأخص ضد مؤيدي النظام الصدامي. فعليه يجب على المكون السني تقديم اعتذارا تاما للمكون الشيعي وبما لحقه من ظلم وتقتيل وتهجير كبداية لفتح صفحة جديدة في العلاقات الاجتماعية. فالمظلومية ووفقا للرؤية الشيعية هي نتاج سلوكيات النظام الصدامي ومن وقف معه من المكون السني.
- المطلوب من المكون الشيعي ان يتحلى بسمات التسامح وقبول المكون السني كطرف هام في بناء الدولة الجديدة وهذا يتطلب من المكون السني أن يبرهن بانه لايزال الركن الفاعل في مسار العملية السياسية وذلك من خلال محاربة القوى الارهابية بشكل حاسم، والوقوف الى جانب القوى الأمنية والعسكرية بوجه تنظيمات داعش والبؤر الحاضنة لها.
- ومن أجل خلق بيئة نظيفة للعلاقات الوطنية بين المكونات العراقية على المكون السني دعم الجهود في تحرير الفلوجة (تحريرها قاب قوسين او ادنى) وباقي المناطق في الانبار. وكذلك من اجل كسب ثقة الشيعة، على المكون السني ان يبرهن على انتمائه الوطني الحقيقي وذلك من خلال المساهمة الفاعلة في عمليات تحرير الموصل والمساهمة مع المكون الشيعي بشكل ملموس في القضاء على عصابات التفخيخ والتفجير واستهداف الاحياء الشيعية.
أن خارطة الطريق لبلوغ اهداف وطنية تكمن في الاعتراف الحقيقي للمصالحة ونبذ الخلافات الطائفية التي ابعدت المكونين عن بعضها، والفرصة لتحقيق التوافقية "الايجابية" قابلة للتحقيق اذا ما شعر المكون الشيعي بان هدف المكون السني في العودة الى المربع الأول قد انتفى ولا ضرورة للمحاولات الانقلابية التي كانت ديدن البعثيين، وان يجعلوا من ايمانهم بالعراق الجديد هو الهدف الآسمى لكل حراكهم السياسي. فالشيعة ولحد هذه اللحظات غير مطمئنة لنوايا المكون السني (المقصود من المكون السني هو الاغلبية المؤيدة لنظام صدام حسين فهناك الكثير من الوطنيين السنة وجب رعايتهم)، أن مجرد اطمئنان الشيعة من نوايا السنة الوطنية لجدير على ازالة كل معوقات الانفتاج الاجتماعي مما سيخلق بيئة سياسية نظيفة قادرة على خلق وتنمية مقومات التطور الاقتصادي والاجتماعي ...
كلمة أخيرة :::
على المكون السني ان يقتنع قناعة تامة ان العراق الجديد لايمكن ان يعود الى المربع الأول فعليهم ان يعيدوا قراءة المشهد السياسي في العراق على اسس جديدة بعيدا عن نوايا من شأنها التأثير السلبي على تطور العراق وتنمية قدراته المادية والبشرية وتحقيق مصالحة وطنية حقيقية وبعكس ذلك سيبقى الاقتتال والصراع الطائفي هو سيد الاوضاع الأمنية والاجتماعية والخاسر هو أهلنا من المكون السني والعراق بشكل عام.
|