القطاع الخاص طوق نجاة للإقتصاد |
غالباً ما تنحصر اهتمامات المسؤولين الحكوميين في مجالات العمل الاقتصادي بمؤسسات ومرافق الدولة في القطاع العام بحكم أجواء المسؤولية التي يمارسونها والعلاقات المشتركة والمتشابكة بين مؤسساته لا سيما وان هذا الاهتمام راجع الى ان اغلب القوانين والتشريعات الحكومية تنصبّ على ميادين عمل القطاع العام وتركز على استثمار طاقاته وتحقيق الاهداف التي تتضمنها الخطط الحكومية ، وتنسى أو تتناسى في اغلب الاحيان دور القطاع الخاص في التنمية وخاصة عندما تعتمد معايير النجاح في ادارة المشاريع وتقييم انجازات المسؤول الحكومي على مدى تحقيق خطط القطاع العام من دون الأخذ بنظر الاعتبار بأن القطاع الخاص هو الرديف والمكمّل لهذا القطاع بما يمتلكه من امكانيات تساعد في تسريع وتحسين مستوى انجاز مؤسسات القطاع العام . وانطلاقاً من هذا الواقع وضآلة الاهتمام بدور القطاع الخاص فان القطاع العام يفقد الكثير من عناصر القوة التي يحتاجها في غياب التنسيق والدعم وتحقيق المصالح المتبادلة مع القطاع الخاص .. واذا كان الحديث عن أهمية القطاع الخاص في كل مجالات عمل الدولة فإن الأولوية في تأثير هذا القطاع يتركز في القطاع الصناعي الذي يشكل حجر الزاوية في الحياة الاقتصادية والعنصر المحرك لكافة قطاعات التنمية في المجتمع . ومع كل ما يتمتع به القطاع الصناعي الحكومي في اطار القطاع العام من امكانيات يستمدها من دعم الدولة في توفير شروط تسهيل عمل المصانع والمعامل التابعة لها ، إلا انه يقف عاجزاً عن اللحاق بركب القطاع الخاص لكثرة القيود التي تحد من انطلاقه لتحقيق المستوى النموذجي في الاداء امام القطاع الخاص الذي يتمتع بحرية الحركة والسرعة في اتخاذ القرار وعدم الخضوع للروتين ومرونة التعامل وعدم الخضوع لسلسلة المراجع في الامور المالية .. الأمر الذي جعل من القطاع الخاص قوة اقتصادية اثبتت جدارتها في تحقيق التراكم الاقتصادي في انعاش اقتصاديات الدول التي تعتمد سياسة (الاقتصاد الحر) الذي اتخذ من القطاع الخاص القاعدة الاساسية لتلك البلدان واصدار القوانين والتشريعات التي تسهل عمله ولا تسمح بوضع العقبات والعراقيل التي تؤثر على مسيرته التي تقود بالمحصلة النهائية الى تحقيق التقدم والتطور والتنمية الاقتصادية للبلد .. في الوقت الذي تتعامل الجهات الرسمية في الدول النامية بعقلية التضييق والمنع وفرض شروط الارهاق المالي بتشريع المزيد من قوانين الضرائب والرسوم والغرامات اضافة الى التعامل البيروقراطي في دوائر ومؤسسات الدولة وسلوكيات الكوادر الوظيفية بأسلوب الأنانية والنظر الى طلبات ومعاملات رجال الاعمال في القطاع الخاص وكأنهم يستجدون من مؤسسات الدولة العطايا من دون أن يدركوا دور هذا القطاع ورجل الاعمال في التنمية الاقتصادية من خلال تشغيل المشاريع الانتاجية وتوفير السلع والخدمات التي يحتاجها المجتمع بديلاً عن الاستيراد الذي يستنزف الموارد المالية للبلد ، وما يوظفه من رؤوس اموال وفرص عمل لتشغيل العاطلين ودفع الضرائب للدولة والمساهمة في تأسيس وتطوير البنى الارتكازية التي ترتقي بالمستوى الحضاري والعمراني للبلد مما يجعل للقطاع الخاص دوراً هاماً في تنمية اقتصاديات البلد وتطويره ، ويفرض على الدولة تقديم أقصى ما يمكن من وسائل الدعم وتهيئة ظروف نجاحه الذي يعتبر اضافة اقتصادية الى ما توظفه الدولة من مشاريع طالما انه يعمل بامكانياته الذاتية ولا يكلف الدولة أية التزامات مالية . وان أية مواقف سلبية ومعوقات تضعها الدولة أمام هذا القطاع سوف ينعكس على انحسار توظيف رؤوس الاموال الوطنية وانتقالها عبر الحدود للاستثمار في الاسواق والدول الاخرى وفقدان احد شروط التكامل الاقتصادي بين القطاعين العام والخاص وتأثير ذلك على القطاع العام الذي يظهر بوضوح في مسيرة القطاع الصناعي حالياً في العراق حيث أدى غياب الدعم الحكومي للقطاع الخاص الى هروب رؤوس الاموال خارج البلاد من جهة ، وعجز الدولة في إدامة المشاريع والمنشآت الصناعية التابعة لها وانحسار الانتاج المحلي نتيجة توقف العديد منها عن العمل واللجوء الى الاستيراد واستنزاف العملة الصعبة وما تبعه من زيادة معدلات البطالة وضعف التداول النقدي في السوق المحلية وكساد الاسواق من جـهة اخرى.. ان هذه الظاهرة التي تمثل انتكاسة كبيرة في مسيرة العمل الاقتصادي تنعكس خطورتها في صعوبة عملية التصحيح والعودة الى استرجاع القطاع الصناعي العام لعافيته نتيجة للفجوة الحضارية والتقنية التي تتسع في ظل تقدم التكنولوجيا في العالم وتحول المصانع القائمة الى مجرد مكائن قديمة ذات انتاجية متدنية لا تواكب مستوى النوعية المطلوبة في المستقبل امام تطلعات السوق الاستهلاكية المتغيرة ، هذا من جانب ، وان تعمل على ازالة كافة العقبات التي تعرقل نشاط القطاع الخاص واصدار كافة القوانين والتشريعات وتوفير التسهيلات التي تمكن القطاع الخاص من استعادة مكانته في التنمية الاقتصادية وتوفير أجواء الثقة بموقف مؤسسات الدولة وتحقيق التكامل وتوزيع الأدوار بين القطاعين العام والخاص في تغطية احتياجات السوق من جانب آخر ، حيث ان واقع الحال يمثل حالة من الفوضى في البنية الاقتصادية للبلد التي نتمنى ان لا تطول كثيراً وأن تأخذ الدولة دورها في تصحيح الاوضاع الاقتصادية بالاعتماد على الاجهزة الحكومية الكفوءة وتغيير العقلية في التعامل والاعتماد على الاختصاصيين وعلماء الاقتصاد من أجل نهضة صناعية حقيقية تحقق الانصاف للقطاع الصناعي الخاص وممارسة دوره الفعّال في الحياة الاقتصادية وتحقيق التكامل في اطار المشاريع التخصصية التي تتوزع بين القطاع العام الذي يتولى الصناعات الثقيلة والقطاع الخاص الذي يأخذ على عاتقه تأسيس المشاريع الصغيرة والمتوسطة . |