الموصل .. المعركة القادمة

 

 مع سير المعارك على محور مخمور القيارة وتحرك قطعات مدرعة من الفرقة التاسعة الى شمال محافظة صلاح الدين فانه من الواضح أن تتّجه الأنظار كلها بعد تحرير مدينة الفلوجة ، إلى مدينة الموصل العراقية –  التي اغتصبها تنظيم  داعش الارهابي في 10  حزيران 2014  بانتظار تحريرها من براثن هذا التنظيم الارهابي المتطرف  . وتضم مدينة الموصل فسيفساءً من الأديان والأعراق . حيث أن 65  بالمئة من سكانها تقريباً من العرب السنّة، وذلك وفق نتائج الانتخابات، ولطالما اعتبر الأكراد والتركمان والآشوريون ومجموعة كبيرة من الأقليات العرقية والدينية الأخرى الموصل ديارهم، ولكن ربما أنهم يشكلون اليوم أقل بكثير من ربع سكان هذه المدينة. كما أن مدينة الموصل بعيدة عن  العاصمة بغداد، جغرافياً وثقافياً على حد سواء. وتقع على بعد اكثر من 530 كيلومترا من شمال العاصمة بغداد وعلى بعد260  كيلومترا من أقرب القواعد العسكرية العراقية في مدينة بيجي . و الموصل ثاني أكبر مدينة في العراق، ويزيد عدد سكانها عن مليون شخص بقليل، بينما تبلغ مساحتها نصف مساحة بغداد تقريبا” ، ولكن أكثر من ضعف مساحة البصرة، ثالث مركز إقليمي تقليدي للعرب في العراق. ومن المتوقع أن عملية تحرير الموصل ستنفذ في وقت لا يزال معظم السكان المدنيين فيها باقين في أماكنهم. فخلافاً لما حدث في مدينتي الفلوجة وتكريت التي سيطرت عليها عصابات داعش  الارهابية ، عملت عصابات داعش  بنشاط على ضمان إبقاء معظم سكان الموصل محاصرين داخل المدينة. وقد فُرض “نظام كفالة” يلزم كل من يغادر المدينة بتحديد ثلاث رهائن تتم معاقبتهم إذا لم يعد إلى المدينة. ونظراً إلى هذه العوامل، فإن تحرير الموصل يطرح تحدياً فريداً من نوعه بالنسبة للحكومة العراقية وحكومة اقليم كردستان وشركائهما الدوليين.. ان الانتصارات التي حققتها القوات المسلحة العراقية في محافظة الانبار ، تجعل الحكومة العراقية والقيادة العامة للقوات المسلحة والحشد الشعبي ، أمام خيار ستراتيجي مهم وهو خوض المزيد من العمليات التعرضية لكي تسرّع من العمليات الهجومية ضد تنظيم داعش الارهابي انطلاقا” من مبدأ ادامة الزخم الهجومي ، من أجل الحفاظ على زخم الانتصار على التنظيم الارهابي الذي بدأ في “سد الموصل” ولوحظت بوادره في أماكن أخرى، من مصفاة بيجي إلى سد حديثة وديالى والضلوعية والعلم والدور وتكريت وصولا” الى الانتصار الحاسم والاستراتيجي في الفلوجة .

ان التنسيق والتعاون مع التحالف الدولي ينبغي ان ينصب باتجاه توسيع وتسريع وتيرة الضربات الجوية، ونشر فرق “تنسيق الهجوم النهائي المشترك”، فضلاً عن الفرق الاستشارية لتطال وحدات الكتائب التي تنفذ الهجمات، واستخدام منظومات أسلحة أخرى على غرار منظومات مدفعيات وصواريخ ارض/ ارض ميدانية والمروحيات الهجومية، نظراً لدورها المباشر في مساندة العمليات البرية، وتزويد الجيش العراقي بأسلحة أكثر ثقلاً. على غرار قيام تنظيم داعش الارهابي وسواه من الحركات الارهابية المتطرفة، بالاعتماد سياسيا” على الرسائل التي يوجهها حول التطورات السياسية في جميع أنحاء الشرق الأوسط بنطاقه الأوسع، فان هزيمة (داعش) ستعتمد  أيضاً على التطورات السياسية في العراق خصوصا” فيما يتعلق بالأداء الحكومي البعيد عن الطائفية ، خصوصا” اذا ما استوعبنا أن تحرير محافظة نينوى وحل الازمة فيها لا يمكن ان يقع فقط على عاتق القوات المسلحة العراقية  ، بل ايضا” على وحدات البيشمركة الكردية وكذلك على عاتق الحشد الشعبي . كما أن هذه الجهود تستلزم مشاركة بين أطراف داعمة محلية من اهالي محافظة نينوى انفسهم فهم أدرى بشعابها – كما حصل مع حركة “الصحوة” بين عامَي 2006  و2008   وقوات عسكرية عراقية نظامية ومنضبطة خالية من النزعات الطائفية، ومصحوبةً بتواصل سياسي بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان والقوى العشائرية في المحافظة. ان ما قام به تنظيم داعش الارهابي طيلة فترة احتلاله للموصل لابد أن يترك آثارا” وشروخات كبيرة في نسيج المجتمع الموصلي بأشكال مختلفة ، ينبغي التوقف عندها ودراستها استعدادا” لإدارة المدينة بعد تحريرها ، حيث ستكون احدى من القضايا المعقدة والشائكة التي لابد من التخطيط والتنسيق والاستعداد لها بالتوازي والتزامن مع التخطيط لعمليات تحرير المدينة من تنظيم داعش الارهابي . من هنا فإنّ تنظيم هذه العمليّات سيكون حاسماً ليس للفوز في ساحة المعركة فحسب، بل أيضاً لتحضير السيناريوهات لفترة “ما بعد” التحرير، بهدف الحفاظ على الموصل والعراق خالياً من الإرهابيين والعنف الطائفي على المدى الطويل. ان عملية تحرير مدينة الموصل ستشكّل اختباراً مهما” في سياق الحرب على الارهاب  للقيادات العراقية والكردية، وكذلك لحلفائهم الدوليين في تحقيق الاستقرار بعد انتهاء الصراع .