(4) تطرقنا في العدد (3) الى ألاحتكار الإداري الحاصل في منح التراخيص بغية تحقيق احتكار اقتصادي ينجم عنه ربح احتكاري، وهو خلاف المنافسة التي تعد واحدة من المبادئ الدستورية في العراق ومخالفتها ليست فقط حرام وملعون من يفعلها ،وانما هي خيانة للأمانة المهنية وخرق للدستور. وبغية استكمال هذا النوع من الاحتكار المؤسسي تم احتكار مهمة معالجة الفساد، بمعنى فساد أجهزة معالجة الفساد، الامر الذي يجعل المشكلة أكثر تعقيداً وأصعب حلاً. وفي هذا العدد نحاول التركيز على مفهوم ( العائلة قراط) او (الفاملي كراط) التي اتسمت بها مؤسسات الدولة العراقية في السنوات الأخيرة، وهي ظاهرة لم تكن شائعة حتى في عهد الطاغية صدام، اذ كانت القوانين والتعليمات تمنع تعيين الأقارب الى درجة ما، في نفس المؤسسة التي يعمل الشخص، وقد ظهر في العراق الان مواقع جديدة ليست جزء من هيكلية الدولة وانما هجين من العشائر والعوائل والدواوين الاجتماعية، مثل موقع ( اخوة الوزير) و (ابن الرئيس) ، ونسيب القائد) و (ابن اخو المدير العام) وهكذا، هؤلاء يمارسون احتكار عائلي مقيت متبوع باحتكار الملفات الإدارية لجعل الحلقات الإدارية مستحكمة في اطار العوائل واستبعاد سواهم نحو الهوامش وبهذه الطريقة يتم تغطية الخروق القانونية والإدارية لبعضهما البعض ونعتقد وجود نظامين للأرشفة والحفظ ، نظام عادي يحتوي الكتب والمطالعات الخالية من الخروق القانونية، ونظام ( غير عادي) مخصص للممارسات المغطاة في الدائرة العائلية، ومن المؤلم ان هذا النوع من الأرشيف دائماً ما يغادر المؤسسة بمغادرة رئيسها او مديرها الى بيوت العائلة وربما الى المحرقة بحيث لا تبقى اوليات المواضيع المتلاعب فيها . وهذا النوع من ألاحتكار الإداري يكون فيه الحرام مزدوج، مرة لأنه حبس الأنشطة عن الاخرين وجعلها في اطار العائلة ومرة لأنه لا يستطيع ان يظهرها لان فيها تلاعب في المقاولات او الترقيات او المكافئات او الصرفيات وعليه فأن فيها فساد واضح، وفاعلها يستحق اللعن مرتين مرة لأنه محتكر ومرة لأنه فاسد . المقام يتسع هنا للتطرق إلى مفهوم أخر من ألوان الاحتكار الإداري (الحول الإداري) السائد في العراق، وهو يعني عدم رؤية الحقيقة وإنما الرؤية بجانبها ( أي مجانبة الحقيقة) وهذا الامر يحصل افقياً وعمودياً في الهرم الإداري، فمن الناحية المؤسسية ( أفقيا ) نجد في العراق ان هنالك وحدة إدارية صغيرة كأن تكون شعبة في قسم في دائرة تابعة لفرع من مديرية ما، مناطة بها مهام عملاقة لتقديم خدمة كبيرة وأساسية وتعاني من نقص في الصلاحيات ونقص في الإمكانيات ونقص في الموظفين وضيق في المكان واهمال من قبل الإدارات العليا، كما نجد ان هنالك مؤسسة عملاقة في المكان والمبنى والكوادر والامكانيات ولم تناط بها إلا مهام بسيطة جداً لأمور ليست أساسية ، وهذا يعني وجود اختلال هيكلي في المؤسسات بين حجم المؤسسة والنشاط الذي تمارسه، لابد من إعادة النظر فيه ، لان ذلك واحد من اهم مؤشرات الإدارة الناجحة هو ان تخلق ارتباط منطقي وموضوعي بين المهام والامكانيات ، والإدارة في العراق تجد فيها اكوام من المهام والأعمال المعطلة ، وأكوام من الإمكانيات والكفاءات البارعة المعطلة أيضا، ولكن لا يوجد ربط محكم بين الاثنين، وهو تقصير من الإدارات العليا في المؤسسات، وجزء من هذه المشكلة ناجم عن الاحتكار. هذه الحال يجوز لنا تسميتها (الحول الإداري) وقد نجده عمودياً ايضاً حيث نجد كفاءات جبارة معطلة او مكلفة بمهام بسيطة يمكن ان يمارسها موظف بسيط ، في حين نجد مهام إدارية كبيرة تحتاج للخبرة والتخصص الدقيق والكفاءة العالية والقيادية تناط بأشخاص بسطاء جداً من حيث الخبرة وفقراء في المعرفة والابداع وليس لديهم التخصص المطلوب للنشاط وهنا ايضاً يكون (الحول الاداري) ناجم عن رغبة احتكارية إدارية تقدم مصلحة الأشخاص الفردية او الفئوية امام مصلحة البلد او المؤسسة او مصلحة المجتمع الذي ينتفع من الخدمة المقدمة. وهذه هي الأخرى مسؤولية القيادات العليا في المؤسسات وفي الهرم الإداري،ويرافقها سوء اداء ناجم عن (السخط الوظيفي) او عدم الرضا الوظيفي ، حيث يجد الخبير المختص نفسه مرؤوسا لشخص غير مختص وليس لديه الخبرة او الخدمة، فنخسر أداء الاثنين بين تعطيل الخبير الساخط وعنجهية المسئول الساذج ،وعدم الاتساق الوظيفي هذا يخلق عدم اتساق في الأداء وفي تقديم الخدمة . كما أن هنالك (حول إداري آخر) غير الافقي والعمودي ، انه (الحول الإداري ) النوعي عندما يتم تجاوز الاختصاص العلمي لمصالح شخصية، حيث تنفق الدولة المليارات على تعليم الشباب في مختلف الاختصاصات لكي يتعلم اختصاصه ويبرع به، ثم نقوم بتكليفه بمهمة ليس لها علاقة باختصاصه لا من قريب و لا من بعيد فنخسر مرتين، مرة من خلال مسح الاختصاص الذي درسه، لأنه لا يمارسه فيمسح من ذاكرته رويداً رويداً، ومرة لأنه سوف يمارس أخطاء قاتلة في المهمة المناطة به من غير اختصاصه ولا يعرف فلسفتها و ابعادها واعماقها ومبرراتها وبذلك يفوت على البلد فرص نجاح ويقلبها الى فرص فشل، وهذه المشكلة واضحة للعيان، ولو طلب من ألد أعداء العراق تخريبه ، لما برعوا في ذلك كما برع الذين مارسوا الحول الإداري النوعي هذا، حيث تجد أحدهم عندما يمرض هو او ابنه يدقق جيداً في اختصاصه الطبيب المعالج وماذا درس وأين درس وكم مارس، وعندما يمرض نشاط معين في الدولة لا يعنيه اختصاص الشخص المناطة به مهمة التشخيص والعلاج، فتجد الطبيب يمارس اعمال محاسبية والمهندس يمارس اعمال اقتصادية والإداري يمارس اعمال فنية تقنية والبيولوجي يعمل مهندس حاسبات وكل التخصصات مخروقة، اليس ذلك تدمير متعمد للبلد، فلو حرص المسؤولين في المؤسسات المختلفة على تمكين المختص وحرصوا على العراق كما يحرصون على أولادهم لكان العراق في مصاف الدول المتقدمة، ان هذا النوع من الحول الإداري ليس بعيد عن الاحتكار الإداري الذي يفضي الى احتكار اقتصادي يولد عائد احتكاري مرة من خلال الاحتكار للوظيفة واحتكار الانتفاع منها ومرة من خلال اكتساب القدرة على ممارسة الفساد الإداري والمالي في هذه المواقع المغطاة افقياً او عمودياً او نوعياً بأحد اشكال الحول الإداري المقصود، وفي كل الأحوال فهو احتكار والمحتكر ملعون على لسان سيد الخلق محمد (ص) الذي يقول: الجالب مرزوق والمحتكر ملعون ، الا لعنة الله على كل محتكر محتال يقدم مصلحته الشخصية ويغرق العراق وشعبه في بحر من الفقر والتخلف.
|