جاء في القاموس المحيط «والشعوبي بالضم محتقر أمر العرب وهم الشعوب». وقال عنها القرطبي : هي حركة تبغض العرب وتفضل العجم ، وقال الزمخشري في أساس البلاغة : (وهم الذين يصغرون شأن العرب ولا يرون لهم فضلا على غيرهم ) . تعرف الموسوعة البريطانية الشعوبية : بأنها كل اتجاه مناوئ للعروبة (anti-arabisim). لذا وجدنا من الضروري إن نقدم الكتب التي حملت الينا اسم الشعوبية هو كتاب البيان والتبيين للجاحظ .. وان أصل كلمة الشعوبية مشتقة من كلمة شعب . وجمعها شعوب وهو الجيل من الناس وهو أوسع من كلمة القبيلة . كان الشعوبيون يتمسكون بهذه الآية من القرآن: ''يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ''. وكان الشعوبيون يسمون حركتهم "حركة التسوية" ( التسوية بين حقوقهم وحقوق العرب ). ويرى المفكر الإسلامي الإيراني علي شريعتي أن الحركة الشعوبية تحولت تدريجيا من حركة تسوية إلى حركة تفضيل العجم على العرب وعملت عبر ترويج المشاعر القومية وإشاعة اليأس من الإسلام إلى ضرب سلطة الخلافــــة . انتشار الشعوبية : في بداية الأمر انتشرت الشعوبية بين المسلمين الفرس لأنهم أول من دخل الإسلام من غير العرب ثم ظهر شعوبيون هنود ثم أتراك ثم مولدي الأندلس ( الإسبان المستعربون ) . كانت النزعة الشعوبية واسعة وقوية بين الفرس لعدة أسباب منها : أنه في عصر الفتوحات الإسلامية ، كان الفرس أكثر تحضراً من العرب ، وأكثر مدنية ، فنمى لديهم شعور بالاستعلاء يعمق نزعة التعصب لديهم بعد أن قام المسلمون ممثلون بالعرب بالسيطرة على بلادهم ، كما أن الفرس قد دخلوا الإسلام بأعداد هائلة فتشكلت منهم أكثرية عددية بين الموالي . الشعوبية في مناهج المدرسة الصفوية : تشكل الآداب احد أهم عناصر ثقافة الشعوب وربما هي مصدرها الأول , والآداب بما فيها , الشعر, القصة , الخطبة , الحكاية , المثل , الكناية , جميعها مرآة صادقة تعكس الخلفيات النفسية والأخلاقية للشعوب وتعتبر مقياسا لتحضرها. وعادة ما يكون الأدباء هم حلقة الوصل الأولى التي تربط بين الشعوب فكريا وثقافيا وذلك لما يقدمونه من صور جمالية تخلو من ألأمراض النفسية وعقد التمييز العنصري والتفرقة الطائفية و تركز على إظهار جوانب الشفافية و ألأحاسيس المرهفة في الإنسان والطبيعة . إلا أن الحركة الشعوبية اتخذت من الآداب وسيلة لزرع بذور العنصرية والكراهية في نفوس أبناء أمتها تجاه العرب والإسلام خاصة . وكان الشعر احد أهم أفروع الآداب المستخدمة في هذا الإطار لكونه الأكثر التصاقا في عقول القراء والمستمعين والأسهل حفظا في الذاكرة ومن هنا نرى أن السلطان محمود الغزنوي احد أمراء الحركة الشعوبية عندما حاول إن يؤجج مشاعر العداء الفارسي ضد الإسلام والعرب كلف الشاعر الشعوبي أبو القاسم الفردوسي(411-329هـ) بكتابة قصائد شعرية يمجد فيها تاريخ فارس وحضارتها ويشتم فيها العرب وحضارتهم الإسلامية ويحط من شأنهم وقد تعهد له بأن يعطيه وزن ما يكتبه ذهبا انه هو فعل ذلك ! . وعلى هذا الأساس وضع الفردوسي ملحمته التي تخلوا من أي شاعرية واسماها الشاهنامه( ملك الكتب ) واضعا جلها في شتم العرب وتحقيرهم وتمجيد الفرس وملوكهم ، فراح العنصريون الفرس يحفظّون أبنائهم و يغذونهم بهذه القصائد وغيرها من الأشعار العدائية إلى يومنا هذا .. ومن نماذج الأشعار العدائية ضد العرب التي دونها الفردوسي في ملحمته الأبيات التالية : { زشير شتر خور دن وسو سمار عرب را بجايي ر سيده است كــار كه تاج كيانرا كند آرزو تفو باد بر جرخ كردون تفو } (( وانا أقول : تفو عليك يا كلب يا أبن الكلب )) وتعني ترجمتها : مِن شرب لبن الإبل وأكل الضب بلغ الأمر بالعرب مبلغـــــــــا أن يطمحــــوا فـي تــاج الملــــــك فتبا لك أيهــــــا الزمان وسحقا .. وليعقوب ليث الصفارين ، وهو احد أمراء الشعوبية ، ومن المتمردين على الدولة العباسية ، أبياتا مشابهة أرسلها للخليفة المعتمد العباسي يقول فيها : أنا ابنُ الاكارمِ من نَسلِ جَم .. وحائز إرث ملوك العجم ومُحي الَـذي باد من عِزَهَـم .. وكفى عليه طوال القدم ! فَقل لِـبنَي هـاشِم أجمعـــــين.. هلموا الى الخلع قبل الندم ! فَعُودوا إلى أرضِكُم بالحِجاِز.. لأكل الضب ورعي الغنـــــم ! وقد أصبح التهكم والاستهزاء بالعرب وتحقيرهم سيرة الشعوبيين طوال القرون الماضية ولم تقتصر وسائلهم في التعبير عن عدائهم للعرب على هذا الباب من الآداب فقط بل إنهم سعوا في استخدام القصص و الحكايات وسيلة للحط من منزلة العرب وتأليب روح العداء في نفوس الأجيال الفارسية اللاحقة ضدهم . و كانت الحملة الشعوبية ضد العرب انطلقت بعد ما أخذت الحضارة الإسلامية تزدهر وتنتشر بواسطة اللغة العربية التي طغت على لغة الأقوام والشعوب التي فتح الإسلام ديارها . فالعربية إضافة إلى كونها لغة القرآن الكريم , فأنها أصبحت فيما بعد لغة الفقه والآداب و علوم الطب والصناعة , وكانت مدارس نيسابور و بخارى و سمرقند في القرنيين الأول والثاني وحتى القرن الثالث عربية خالصة. وقد وضع أساطين علوم الفلسفة والطب و الصناعة من أبناء تلك الديار من أمثال البيروني والرازي والبخاري وغيرهم كتبوا جميع مصنفاتهم باللغة العربية وهذا ما أثار الشعوبيين واغاظهم حيث أنهم وكما يقول ابن حزم الاندلسي , كانوا يسمون أنفسهم الأحرار والأبناء وكانوا يعدون سائر الناس عبيدا لهم فلما امتحنوا بزوال الدولة عنهم على أيدي العرب وكان العرب اقل الأمم عند الفرس خطرا تعاظم الأمر، وتضاعفت لديهم المصيبة وراموا كيد الإسلام بالمحاربة وقد إتخـذ الصراع بين العرب والشعوبية ألوانا مختلفة : وللوقوف في وجه انتشار اللغة العربية وللتهوين من شأن العرب والانتقاص منهم ترجم الشعوبيون الشديـدو العصبية كتبا في مناقب العجم وافتخارهـم ورجم العرب بالمثالب وتحقيرهم . ومن جملة ما وضعوه في هذا الشأن يمكن أن نستشهد بعدد من الكتب ومنها : - كتاب مثالب العرب لهشام بن الكلبي , كما ألف أبو عبيدة معمر بن المثنى وهو من يهود فارس كتبا كثيرة تعرض فيها للعرب منها : - كتاب( لصوص العرب) وكتاب (أدعياء العرب ). وألف عيلان الشعوبي كتاب الميدان في مثالب العرب . وتماشيا مع هذا التوجه فقد ظهر شعراء وكتـّاب آخرون في عصور متتالية مواصلين النهج الشعوبي الذي اختطه أسلافهم. لقد استمرت المدرسة الشعوبية التي كان من أعمدتها , الفردوسي والخيام وأبو مسلم الخراساني و بابك ألخرمي و الرودكي ومحمود الغزنوي ويعقوب ليث الصفارين , تتناقل أفكارها بين أحفادهم جيلا بعد جيل حتى وصلت الى الصفويين الذين ألبسوها ثوبا جديدا ألا وهو الطائفية . يقول د. علي شريعتي عن الحركة الصفوية متطرقا إلى استنادها إلى مبدأ "الشعوبية" : «وبغية ترسيخ أفكارها وأهدافها في ضمائر الناس وعجنها مع عقائدهم وإيمانهم عمدت الصفوية إلى إضفاء طابع ديني على عناصر حركتها وجرّها إلى داخل بيت النبي إمعانا في التضليل ليتمخض عن ذلك المسعى حركة شعوبية شيعية ، مستغلة التشيع لكي تضفي على الشعوبية طابعا روحيا ساخنا ومسحة قداسة دينية ، ولم يكن ذلك الهدف الذكي متيسرا إلا عبر تحويل الدين الإسلامي وشخصية محمد صلى الله عليه وسلم وعلي رضي الله عنه إلى مذهب عنصري وشخصيات فاشية ، تؤمن بأفضلية التراب والدم الإيراني والفارسي منه على وجه الخصوص» لقد لبس الصفويون ثوب التشيع وادعوا النسب العلوي رغم أن المؤرخين الفرس أنفسهم يؤكدون أن إسماعيل ألصفوي , مؤسس الدولة وعميد الأسرة الصفوية , ولد من أم ارمنية وأب أذري وكان جده صفي الدين الاردبيلي شيخ طريقة صوفية سني إلا أن المصلحة القومية والروح العنصرية دفعتهم إلى التلبس بلباس التشيع وذلك لكي يضمنوا بقاء مدرستهم وانتشار أفكارها العنصرية . وقد دأب الصفويون على شتم العرب بحجة الثأر لأهل البيت وقد أمروا كتابهم ووعاضهم بوضع الروايات و الكتب التي ملأوها الشتم واللعن للصحابة والخلفاء والقادة العرب الذين كانت لهم القيادة في فتح بلاد فارس ونشر الإسلام في ربوعها . ومن جملة ما وضعته المدرسة الصفوية , كتاب { بحار الأنوار} لمؤلفه محمد باقر المجلسي الذي جاء بمائة وعشرون مجلدا دون فيه ألمجلسي ما طلبه الصفويون من الروايات والقصص التي تساعد على نشر فكر الشعوبية المرتكز على الفتن والتفرقة العنصرية والطائفية . وقد جاء هذا الكتاب وهو يحمل بين دفتيه أفحش الجمل و أغلضها ضد الرموز العربية الإسلامية. ومن الكتب الأخرى التي وضعت في هذا الشأن كتاب ( مفاتيح الجنان) لصاحبه عباس ألقمي وهو أيضا من الكتب ذات التوجه الشعوبي المحُمل بالسباب والطعن بصحابة النبي (صلى الله عليه وسلم ) والعرب عامة وذلك كله بحجة الدفاع عن أهل البيت . إلا أن هؤلاء الشعوبين عادوا الإمام علي وتجنوا عليه بزعمهم الانتساب إلى مدرسته , وخير من كشف ضغينتهم وأوضح حقيقتهم هو شاعرهم جعفر بن محمد الرودكي السمرقندي (329 هـ) الذي قالها بصراحة : عمر بشكست بشت هجبران عجم را برباد فنا داد رگ وريش جم را اين عربده وخصم خلافة زعلي نسيت با آل عمر كينه قديم أست عجم را وترجمتها : أن هذا الصراع والعداوة ليس دفاعا عن حق علي في الخلافة , لكنها البغضاء والعداوة للخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كسر ظهر العجم وهد حضارتهم من الأساس . وهكذا بقيت المدرسة الصفوية الشعوبية على ديدنها ، فكلما أرادت إن تكيل الشتم والسب للعرب لجأت إلى اتخاذ الدين والمذهب غطاءا لنفث سمومها ، وهاهو شيخ السبابين واحد كبار دهاقنة الحوزة الشعوبية صاحب كتاب " سيد المرسلين" يفرد أكثر من مئة صفحة في كتابه المذكور لسب العرب ويدعي إن ما حمله القرآن من تحذير ونذير إنما هو موجه للعرب على وجه الخصوص , وأن الأقوام التي انزل الله عليها الغضب وأبادها كانت أقوام عربية وقد سميت بالعرب البائدة , والمعنيون بالجاهلية هم العرب تحديدا . التصفية والاغتيالات والدسائس : بعض المؤرخين يعتبرون أولى أعمال الشعوبية هو اغتيال أبو لؤلؤة الفيروزي للخليفة عمربن الخطاب رضي الله عنه انتقاما للدولة الساسانية التي قهرت في عهده . كما تدخلوا في الصراع بين الاخوين الامين والمأمون ، حين استعان بهم المأمون ضد أخيه ، وجعل منهم قادة الجيش. وكان للشعوبية دور في إنشاء الفرق الباطنية كالقرامطة والنصيرية وغيرهم . وما التدخل الفارسي في العراق ولبنان واليمن والبحرين وغيرها لهو اكبر دليل على ما قلناه . هذه مدرسة الشعوبيين وهذه سمومهم الفكرية التي غرسوها في عقول أبنائهم وغزوا بها عقول وأفكار العديد من أبناء امتنا تحت يافطة الاسلام والولاء لأهل البيت. ولكن ترى هل يأتي اليوم الذي يصحوا فيه العرب , الذين تقوقعوا بفكر وثقافة الشعوبية الصفوية وغيرها , من غفلتهم ويعودوا إلى حضارتهم وثقافتهم العربية الإسلامية الأصيلة ويتركوا عنهم اللهاث وراء الشعوب الاخرى احتقارا واستصغارا لانفسهم ؟؟. ختاما ، ولكل من تسول له نفسه الوضيعة بالنيل من الرموز العربية والأسلامية أقول : سأتبنى الرد بكل قوة بسلسلة من المقالات أفند بها عقائد القوم وانسفها من الأساس .. وليس ذلك من باب الغرور او الأستنقاص من احد ، ولكن ليعرف كل إمرئ قدر نفسه ولايرمي بيوت الناس بحجر وبيته من زجاج .. وسنرى فيما بعد من هو أقل ناصرا وأضعف جندا ؟ والله من وراء القصد .
|