الإنتخابات والتبعية!! |
الديمقراطية تتلخص في التعبير الحر عن الرأي والإرادة وفقا لمنظور المصلحة الإنسانية , بعيدا عن المؤثرات والمآرب والتطلعات أيا كان توصيفها ومدلولها. وعندما يكون الناس محكومين بإرادة أخرى , قد تكون حزبية , أو فئوية , أو ما شاكلها من المسميات , فأنهم يفقدون حرية التعبير , أو أن تلك الحرية تكون منحرفة أو شائبة. وعندما يكون للناس مرجعيات , دينية , حزبية , أو غيرها , فأن ذلك يعني أن الديمقراطية في خطر , لأنها سيتم تفصيلها وفقا للقياسات المطلوبة من قبل المرجعيات. ذلك أن الناس قد تنازلت عن رأيها , وعبّرت عن رأي مرجعياتها , وفقا لأساليبها في إرغامهم على ذلك. وفي هكذا حالات , تكون الديمقراطية حلما بعيدا عن الواقع , وقد تكون معضلة كبيرة أمام صناعة الحياة الأفضل , لأن الإنسان لم يشارك فيها , وإنما تصرف وكأنه مملوك من قبل مرجعيته التي تقرر ما يقوم به ويبديه من الرأي والسلوك , وما يتخذه من قرار. وحينما يُطرح موضوع الدين والديمقراطية , فأن المسألة ستتعقد وتزداد إضطرابا , لأن الدين والسياسة لا يتفقان أبدا , ولا يمكن للدين أن يجلس على الكرسي إلا إذا سوّغ ذلك بتبريرات دينية غير صالحة للدين. وفي التأريخ الإسلامي , يُذكر أن عبد الملك بن مروان , كان من المتبحرين بالدين , وعلوم القرآن , حتى صار من فقهاء المدينة الذين يُشار إليهم , وكانت له مواقفه الواضحة ورؤيته فيما يقوم به يزيد بن معاوية, وكان يتدبر القرآن ويقرأه يوميا , ويُقال , حينما أخبروه بأنه أصبح خليفة , كان يقرأ القرآن , فأغلقه , وقال: هذا بيني وبينك! ومعنى ذلك , أن الدين الحقيقي والكرسي لا يجتمعان! وقد ذكرت في مقالات عديدة سابقة , أن الأحزاب الدينية , ستقضي على نفسها وعلى الدين بجلوسها على الكراسي , لأن مقتضيات السياسة لا يمكن حشرها في دين. فالدين قد يكون معيارا أخلاقيا وتربويا , ولكنه لا يفلح في أن يكون قانونا سياسيا في زمننا المعاصر , ولا يمكن أن نجد آلية معاصرة لهضم إجتماع الدين والديمقراطية , لأن الأخيرة فكرة علمانية بحتة , تستند على الحرية الإنسانية بجميع عناصرها وتفاعلاتها. وما يجري في واقعنا الديمقراطي في الدول العربية التي تغيرت فيها الأنظمة , ناجم عن هذا الصراع الحامي ما بين الحالتين , لأن السياسة ستدفع إلى التطرف والإمعان بالتفاعلات اللازمة لتأكيد إرادة المعتقد , لإحساس أصحابه بالتهديد وفقدان الدور, مما يدفع إلى متوالية من المهالك والإضطرابات الصعبة والمعقدة. وبعض الدول أمضت في تجربتها العسيرة عقدا من الزمان , ولا تزال في ذات المكان , وهي لا تبصر جوهر العلة ومنبع الأسباب. فلا يمكن أن تقلب موازين الحياة وتعيدها إلى الوراء , مهما توهمت بالقدرة على ذلك , فالحياة تتقدم , وإرادة العصر تفرض نفسها , وثقافة العولمة قد ترسخت في أذهان البشر , وصارت تفاعلاتهم عبر شبكات الإنترنيت والفيس بوك , وغيرها من وسائل التواصل الإجتماعي الفعال في الأرض. ووفقا لهذا , فأن جميع الأحزب الدينية وبلا إستثناء , ستكون خاسرة ومنهزمة ومدمرة لذاتها وموضوعها , ومؤهلة لقتل الدين , إذا لم تدرك آليات التفاعل في عصرها , لأن سلوكها المنغلق لن يلبي حاجات الإنسان , مما يتسبب في الفساد والإفساد وتدمير الإقتصاد. وما نراه من فساد متسيّد في دول تحكمها أحزاب دينية, يعود إلى أنها قد أغفلت حاجات الناس , واندحرت في عقائدها وأوهامها , التي تمليها عليها تصوراتها النابعة من منطلقاتها النظرية السرابية الأبعاد. إن وعي حقيقة التنافر ما بين الدين والكرسي في زمننا المعاصر , سيساهم في حماية الأحزاب الدينية والدين من التداعي والإنهزام. فالبشرية اليوم ذات أفكار جديدة وتطلعات أخرى , ولا بد للأحزاب الدينية أن تواكبها , وتتحرر من سلطة مرجعياتها , ومنطلقاتها التي لا يمكنها أن تصمد أمام الدفق المعلوماتي الهائل , الذي يطغى ويؤثر في عقول وسلوك البشر. فهل سنواجه أنفسنا بشجاعة , أم سنندحر في خنادق الدفاعية والإنهزال؟!! |