عن داعش .. "الماقبل والمابعد"

يجري الحديث اليوم وفي مختلف الاوساط عن مرحلة مابعد داعش. يستوي في ذلك المؤمنون بنظرية المؤامرة على إنهاهي من  صنعت داعش وقبلها القاعدة وغير المؤمنين ممن لهم طروحاتهم الأخرى في تفسير هذا الوباء الخطير. كما يستوي  العارفون ببواطن الامور وغير العارفين حتى بظواهرها. ويستوي الباحثون عن الفوائد التي يمكن جنيها من مرحلة مابعد داعش والخائفون على المستقبل وبالذات مستقبل العراق بوصفه الحلقة الأضعف على صعيد ما قد يترتب  من نتائج بعد إستتباب الاوضاع في المنطقة "هذا إذا إستتبت بعد رحيل داعش أو ترحيلها".
واذا كان لكل طرف من هذه الاطراف التي تستوي ولا تستوي في الفهم والتوقع او المخاوف او الاستثمار او  انتهاز الفرص او القفز على النتائج فان السؤال الذي يبقى عالقا في الهواء هو .. هل يوجد قاسم مشترك يجمع كل هؤلاء المتناقضين في فهم داعش, لاسيما ان كل طرف يرى انه يقف كل قدر حجمه او موقعه او صلته في مواجهتها ؟ أغلب الظن لايوجد أي قاسم مشترك ماعدا فرضية العداء.
واذا اقتربنا من التصور الطبيعي والمنطقي لمجريات الأحداث الحالية فإن فالصورة على الأرجح شديدة القتامة خصوصا لجهة طروحات أطراف الصراع الثلاثة الرئيسية في العراق وهم "الشيعة والسنة والكرد". فالتقسيم المكوناتي للبلاد لايشجع أصلا على التاسيس لفكرة واقعية في كيفية التعامل مع المرحلة القادمة في ظل غياب اوتغييب البعد الوطني.
 إزاحة "العراقية" كجامع وطني وتراجعها مع تقدم الهويات الفرعية وفي المقدمة منها الطائفية والإثنية فإنه بات ينظر الى الوطن الواحد كما لو كان حلما بعيد المنال يذكرنا بحلم الدولة الكردية الرومانسي في خيالات الشعراء مثلما قال عنه ذات مرة الرئيس جلال طالباني شافاه الله برغم أن رؤية السيد مسعود بارزاني مناقضة تماما لتلك الرؤية. او اشبه بحلم الدولة العربية الواحدة التي كلفت العرب هزيمتين خلال أقل من عقدين إنتهت الى حل لغوي وذلك بتسمية الاولى  "النكبة" التي اوجدت اسرائيل عام 1948 , والثانية"النكسة" التي توسعت بموجبها حدود اسرائيل "1967". كان ذلك في ذروة الحماس القومي الذي بقيت تلهج به السنة الشعراء والمغنين من قبيل "يا أمنا كفي الدموعا وانتظرينا للرجوعا" أو "طلعنا عليهم طلوع المنون فكانوا هباء وكانوا سدى" بينما لايتوانى محمود درويش عن القول ردا على ذلك "نحن سدى" في إشارة الى مفارقة اللغة والواقع.
وبصرف النظر عن جدية بعض الطروحات او واقعيتها في أهمية التفكير اوالتخطيط أو التهيئة لمرحلة مابعد داعش ففي  ظل العزف على اوتار منفردة لكل من الشيعة والسنة والكرد على صعيد "إستثمار" تلك المرحلة  سواء على صعيد الحصول على إستحقاقات جديدة للشيعة بوصفهم اكبر المضحين أو رغبة السنة بالفيدرالية باعتبارهم اكبر الخاسرين, او تصريح الكرد بالانفصال او الكونفدرالية بوصفهم اكبر المستفيدين مثلما يرى خصومهم, فان داعش هي من سوف تفكر بمرحلة .. "ما قبلنا نحن لا ما بعدها هي".