ثمة ضرورة لاستنتاج حكم المحاصصة ، وافرازاته ، الفكرية والمجتمعية والبنيوية ، فقد اثبتت تجربة هذا النظام الذي كان الولادة الشرعية للفكر السياسي الامريكي في العراق ، انه عمل على توزيع العراق على القبائل والاثنيات والعرقيات والطوائف ، لاغياً بشكل اكيد الوطنية العراقية ، ومعتبراً المواطنة تحصيل حاصل للانتماء القبلي والعشائري ، وقد اعتمد في ترسيخ هذه المفاهيم على جوقة وعاظ السلاطين الذين راحوا يعززون هذا النهج على وفق انحيازاتهم لهذا المذهب أو تلك الكتلة التي بنت هيكليتها على وفق الناتج الفكري والسياسي للمشروع الامريكي في العراق ، وهو توزيع البلاد على اساس عرقي ومذهبي  .

ولقد تم تكريس هذا النهج ، والخروج عنه يعد مخالفة ( لديمقراطية المحاصصة ) فاصبح حديث اثيل النجيفي لجريدة ( الديلي تلغراف ) البريطانية مؤخراً وكانه يناغي تلك الوصفات المحاصصية ولم يستفز مشاعرهم حينما يقول ( نؤيد داعش في موقف ونرفضها في موقف اخر ، ولا نقبل بتحرير الموصل بالجيش العراقي كونه يمثل بغالبته طرفا لانريده ، ونحن اسسنا لقوات تتكفل في معالجة الامر ) وبالطبع مثل هذا الموقف ينسجم مع الموقف التركي الاردوغاني الذي احتل جزءا من الاراضي العراقية بطلب من النجيفي ورغبة بعض الاطراف في كردستان ، والمهم في هذا الأمر ليس موقف اثيل النجيفي الذي كان على راس الاحتلال الداعشي للموصل ، وإنما سكوت السلطة الرسمية والكتل السياسية على تلك التصريحات في الجريدة البريطانية .

ان قراءة موضوعية لسلطة المحاصصة ومركباتها ، تعطينا مؤشرات واضحة بان مايجري في العراق ، هو نتاج طبيعي لتلك السياسات ، وان اي تلوين لها يعكس رغبة هذه الكيانات لاستمراريتها ، وان مايطرح من شعارات وافكار للخروج من تلك التركيبة والتفاعل مع رغبة الشارع بنهج الوطنية والمهنية في ادارة مؤسسات البلاد ماهو سوى هرطقة سياسية ، اتقنت مخرجاتها تلك الاطراف والكيانات لتهدءة الحالة  .

ان انعدام الثقة بين الاطراف الحاكمة ، والفشل في تحقيق منجز يذكر لها ، وغياب الفعل المنتج لحركة الاقتصاد الوطني ، وضعف العلاقات بين فصائل المجتمع ، وغياب التوجة نحو معالجة الازمات البنيوية ، وفقدان الثقة بين المجتمع والدولة ، وارتفاع منسوب الضعف الاداري المهني ، ومشاعية اللاشعور بالهموم الوطنية وحفظ المال العام ، وتراكم وتفاعل الانانية والذاتية على حساب المصلحة العامة ، وتردي الحالة المعيشية ، وانفلات اسعار السوق ، وتكدس البضاعة الرديئة ، وتراكم الفقر بين المواطنين ، وزيادة اعداد العاطلين عن العمل ، وصعود البلطجية ، وانخفاظ القيم الاخلاقية ، وارتفاع مناسيب سوق الحرامية والنهابين، وتفشي النزاعات العشائرية ، وضعف القانون والقضاء وسيطرة العقلية القبلية في فظ النزاعات وممارسة التهديد الفظ ، كل ذلك وغيره هو النتاج الطبيعي لسلطة المحاصصة والتوزيعات المذهبية والعرقية لكيان الدولة العراقية . لم تعد تجربة العراق تستهوي احدا ، فهي بالاساس مشروع امريكي لتخريب وحدة العراق الجغرافية ، فتلقفتها هذه الكيانات ،كونها توزع النظام على مقاساتها ، وتحجم أو بالاحرى تهدد اي مشروع وطني يمكن له أن ينهض بالبلاد ويعيد التوزان للدولة ، فامريكا وبعض الاوربيين ومعهم عديد من النظم العربية ارادوا لسوريا كما جرى في العراق ، مستفيدين من داعش كمنقاش ، ومن الضخ السياسي والاعلامي كحالة يمكنها أن تصل الى نهاياتها ، لكن الشعب والجيش العربي السوري ومعهم اصدقاء سوريا ، تمكنوا حتى اللحظة من النجاح وعدم الوقوع بمشروع العراق الحصصي الطائفي العرقي . الكثير من المتابعين لازالوا يعولون على امكانية ظهور كتلة وطنية ببرنامج عابر للطائفية والحصصية ، قد تخرج تلك الكتلة  من رحم الكيانات السياسية القائمة حاليا اسلامية او غير اسلامية ، وتتفق مع الكثير من دعاة وانصار المشروع الوطني ، خاصة بعدما انكشفت هذه الكيانات أمام الشعب ، وصارت لها في الوسط العام الشعبي صفة النهابين ، فالاحزاب والكيانات الاسلامية من الجبهتين وكذلك الكتلة الكردية في سلطة الجمهورية، ، لم تعد لها قيمة تذكر في الوسط الشعبي ، بسبب فشلها في قيادة البلد ، واستنهاض الحالة الاجتماعية والاقتصادية والبنيوية والوطنية ، وبالتالي إذا ماارادت الاستمرار بالعمل وتحقيق حضور داخل السلطة عليها ان تعيد النظر في تركيبتها ومنهجها وتوجهاتها ، صحيح ان معظم الناس تستفزهم الشعارات والدسائس الطائفية والعرقية ، لكن هذه الحالة لن تستمر طويلا ، وكلما زاد القهر الاجتماعي والمعيشي والبنيوي ، كلما قصر عمر هذه الكيانات ..