الدين والدين الشكلي الواقعي |
(فلان يصلي الفرض ، وينقب الأرض) مثل شعبي قديم يضرب تعبيرا عن الذي يؤدي طقوس الصلوات ، ومع ذلك يسرق أرض الجيران ويعتدي على حدودها ، وهذا المثل الشعبي يعبر عن نقد التدين الشكلي والتدين المغشوش، الذي يكتفي صاحبه من التدين بالطقوس الشكلية، مع إهمال القيم والأخلاق، التي هي المقاصد الحقيقية للعبادات، والروح الحقيقية لشعائر الإسلام. إن الإيمان الإسلامي ليس مجرد النطق بالشهادتين، فشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله هي عنوان هذا الإيمان، مثله كمثل الكتاب يعرف بالعنوان، لكنه لا يختزل في مجرد العنوان ، والإسلام قد بني على الفرائض الخمس، الشهادة والصلاة والزكاة والصوم والحج، لكن هذه الفرائض الخمس ليست كل الإسلام، وإنما هي أساس البناء الشامخ الذي يمثل الإسلام، فالإسلام لا يغني عن البناء، كما أن البناء لا يقوم بدون الأساس. وكل فرائض الإسلام لها غايات ومقاصد قيمية وأخلاقية، تدور كلها حول تزكية النفس، وإقامة الصلاح في الأسرة والمجتمع والدولة التي تحرس القيم الفاضلة التي أتى بها الإسلام. ولهذه الحقيقة – حقيقة أن الإسلام منهاج كامل وشامل للحياة – جاء في القرآن الكريم : “قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين” (الأنعام)، فالإنسان المسلم، ليس كالإنسان المادي سيد الكون ، وإنما هو خليفة عن الله سبحانه وتعالى الذي هو سيد الكون ، ولذلك فإن كل تصرفات هذا الإنسان المسلم – الفردية والاجتماعية – هي تصرفات الخليفة والنائب والوكيل الملتزم بعقد وعهد الاستخلاف – بشريعة الله الذي أرسل إليه الرسل بالمنهاج الذي يسير على هديه في هذه الحياة.وهذا الإنسان المسلم حر مختار، لكن حريته محكومة بإطار المنهاج الإلهي، فلا يجوز له أن يحل الحرام ولا أن يحرم الحلال، وعبوديته لله هي قمة تحرره من كل طواغيت الدنيا، وكما قال محمد عبده : “فإن الإنسان عبد لله وحده، وسيد لكل شيء بعده”. والمصلحة، التي تحكم تشريع القوانين، هي – في المجتمعات المادية – مجرد المنفعة، بينما الممصلحة في الرؤية الإسلامية هي المصلحة الشرعية المعتبرة، فلابد في تحديد مضمون المصلحة ومعيارها من تزامل الشرع مع العقل، وإلا فإن المجتمعات التي تعزل الشرع عن العقل ترى في مجرد المنافع المادية معيارا للمصلحة، حتى أن التجارات الأكبر في الرأسمالية الغربية هي ثلاث تجارات: تجارة السلاح، وتجارة الدعارة، وتجارة المخدرات، ومنفعة اللذة تتحقق بكثير من المحرمات – ومنها السكر والشذوذ- ولكنها لذات ومنافع محرمة على من يلتزم بمنهاج الإسلام. منهاج الايمان ولهذه الحقيقة، التي تميز منهاج الإيمان الإسلامي، لم يقف هذا الإيمان عند شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإنما الإيمان الإسلامي بناء كامل وشامخ ومحيط، عبر عنه الحديث النبوي الذي يقول معناه: الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إزالة الأذى عن الطريق.فالعبادات الإسلامية ليست مجرد طقوس، وإنما هي وسائل للمقاصد التي تزكي النفس بمنظومة القيم والأخلاق، أما الذين يكتفون من التدين بالطقوس الشكلية، فإنها لن تغني عنهم شيئا، ورب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ومن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا.فالمصيبةٌ العظمى أن لا يكون لنا من حجّنا إلا التّمر، وماء زمزم، وسجاجيد الصلاةِ المصنوعةِ في الصّينِ !! ومن المصائب أن لا يكونَ لنا من صيامنا إلا السمبوسة، والفيمتو، والتمر الهندي، وباب الحارة !! فمن المصائب ايضا أن تكون الصلوات حركاتٍ سُويديّة رياضية تستفيدُ منها العضلاتُ والمفاصلُ ولا يستفيدُ منها القلب مثلا ! مظاهرُ التّديّنِ أمرٌ محمود، ونحنُ نعتزُّ بديننا شكلاً ومضموناً ، ولكن العيب أن نتمسّكَ بالشّكلِ ونتركَ المضمون.فالدّينُ الذي حوّل رعاة الغنمِ إلى قادةٍ للأممِ لم يُغيّر أشكـــــالهم وإنّما غيّر مضامينهم. فأبو جهل كان يلبسُ ذات العباءة والعمامة التي كان يلبسها صحابة الرسول الذين هم من ذوي المراتب الخاصة ، وكذلك الحجاج كان من حفاظ القران وهناك نماذج كثيرة في التاريخ الاسلام على التدين الشكلي وكما هو معروف منطقيا وعقليا هناك اختلاف واسع بين الدين والتدين الشكلي ، فللتمييز بينهما هو بداية يجب التمييز بين الدين كوضع الهي ثابت ، والتدين ككسب بشري متغير، والمقصود بالدين أصوله الثابتة، التي مصدرها النصوص اليقينية ذات الدلائل القطعية ، أما التدين فهو معرفه والتزام بشري بهذه الأصول. التدين بين الإيجاب والسلب: وإذا كان الدين كوضع الهي يتصف بالوحدة (على مستوى أصوله)، فان التدين ككسب بشرى يتصف بالتعدد ، حيث يمكن التمييز بين نمطين أساسيين للتدين احدهما ايجابي والأخر سلبي، والأخير (اى التدين السلبي) ليس مرجعه الإسلام كدين ، بل هو محصله عوامل نفسيه واجتماعيه وتربويه وسياسيه واقتصاديه وثقافيه…متفاعلة، مرتبطة بالشروط الداخلية “كشيوع التقليد وظهور البدع والاستبداد…” والخارجية “كالاستعمار…” لتخلف النمو الحضاري للمجتمعات المسلمة. ومعايير التمييز : هذا التمييز بين التدين الايجابي والتدين السلبي يستند إلى معايير متعددة للتدين منها: أولا: معيار العلاقة بين التدين والدين: طبقا لهذا المعيار فان التدين الايجابي هو التدين المحدود تكليفيا بالقيم والقواعد التي جاء بها الوحي، والتي تحدد التدين ككسب انسانى، وتكليفيا بالسنن الإلهية الكلية والنوعية التي تضبط حركه الإنسان، فعلاقة الدين بالتدين الايجابي هي علاقة تحديد وتكامل، اى أن الدين يحدده كما يحدد الكل الجزء فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه. أما التدين السلبي فهو التدين المطلق ، اى القائم بذاته والمستقل تكليفيا عن القيم والقواعد التي جاء بها الوحي، والتي تحدد التدين ككسب انسانى، وتكوينيا عن السنن الإلهية الكلية والنوعية التي تضبط حركه الإنسان ، فعلاقة الدين بالتدين السلبي- طبقا لهذا المعيار- هي علاقة إلغاء و تناقض، ومثال له التدين البدعى اى الذي يستند الى البدع بما هي الاضافه إلى أصول الدين،دون الاستناد إلى نص يقيني الورود قطعي الدلالة، وهو يضفى قدسيه الدين على أنماط من التفكير والسلوك التى ليست منه، بل في الحقيقة تتناقض مع جوهره. ثانيا: معيار العلاقة بين الأبعاد الروحية والمادية: وطبقا لهذا المعيار فان التدين الايجابي يقوم على أساس أن الأبعاد الروحية للوجود الانسانى ” والتى تتضمن التطور أو الترقي الروحي للإنسان “، لا تلغى الأبعاد المادية له ، بل تحددها كما يحدد الكل الجزء فتكمله وتغنية. فهذا الترقي الروحي يتحقق عندما تأخذ حركه الإنسان شكل فعل غائي ( ذو ثلاث خطوات :المشكلة، الحل، العمل) محدود (تكوينيا وتكليفيا) بالفعل المطلق (الربوبية) والغاية المطلقة (الإلوهية) ،أي كدح إلى الله بالتعبير القرآني: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه). أما التدين السلبي – طبقا لهذا المعيار- فهو يقوم على تأكيد الأبعاد الروحيه للوجود الانسانى، لكنه يطرف في التأكيد لدرجه إلغاء الأبعاد المادية للإنسان ،فيجعل العلاقة بينهما علاقة تناقض وإلغاء،ومثال له النزعات الروحية المتطرفة التي تفترض أن الوجود الانسانى هو- فى حقيقته – هو وجود روحي محض. معيار الوسطية ثالثا:معيار الوسطية : وطبقا لهذا المعيار يقوم التدين الايجابي على الوسطية والاعتدال والقوامة في التدين، ورفض الوقوف إلي أحد النقيضين: الغلو في الدين او الجفاء عنه ، قال تعالى:”وكذلك جعلناكم أمة وسطاً”. وقال تعالى“والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكانوا بين ذلك قواماً”.. أما التدين السلبي فيقوم – طبقا لهذا المعيار- إما على الغلو في الدين او الجفاء عنه، و كلاهما يلتقيان في المحصلة(عدم الالتزام بضوابط الدين سواء بتجاوزها او التقصير في الالتزام بها ) رابعا: معيار العلاقة بين الايمان والعمل: وطبقا لهذا المعيار يقوم التدين الايجابي على أساس ان العلاقة بين الإيمان والعمل، هي علاقة وحدة( وليس خلط كما عند الخوارج)، وتمييز (وليس فصل كما عند المرجئة) ، أما التدين السلبي فيقوم – طبقا لهذا المعيار- إما على التطرف في التوحيد بين الإيمان والعمل، ومثاله مذهب الخوارج فى العلاقة بين الايمان والعمل، وكذلك اعتقاد المرجئة – (أن الإيمان الذي في القلب يكون تاما بدون شيء من الأعمال ولهذا يجعلون الأعمال ثمرة الإيمان ومقتضاه بمنزلة السبب مع المسبب ولا يجعلونها لازمة له) ; والحقيقة أن إيمان القلب التام يستلزم العمل الظاهر بحسبه لا محالة ويمتنع أن يقوم بالقلب إيمان تام بدون عمل ظاهر. خامسا: معيار العلاقة بين الأبعاد السلوكية والوجدانية والمعرفية: وطبقا لهذا المعيار يقوم التدين الايجابي على أساس شمول التدين لأبعاد الإنسان المتعددة (السلوكية والمعرفية والوجدانية)، بينما التدين السلبي يكون مقصورا – طبقا لهذا المعيار- على احد هذه الأبعاد و قاصر عن باقي الأبعاد ، فيستغني به عنـــــــــــها ومثال له: أولا: التدين النظرى المحض المقصور على المعرفة ” النظرية “بمفاهيم وقيم وقواعد الدين ، دون ان تتحول هذه المعرفه النظرية الى سلوك فعلي “عملى”، ثانيا: التدين الوجداني” العاطفي” المحض: وهو التدين المقصور على العاطفة الدينية، القاصر عن معرفة مفاهيم قيم وقواعد الدين، والسلوك الملتزم بهما، ثالثا: التدين السلوكي المحض: وهو التدين المقصور على السلوك، القاصر عن العاطفة الدينية و معرفة مفاهيم و قيم وقواعد الدين. سادسا : معيار الاتساق مع الصحة النفسية والعقلية : وطبقا لهذا المعيار يتسق التدين الايجابي مع الصحة النفسية والعقلية ويدعمها ، أما التدين السلبى- طبقا لهذا المعيار- فيعبر عن اضطراب نفسى او عقلى ومثال له: الاول : التدين كرد فعل كرد فعل على أسلوب حياه سابق مناقض للدين، ومن ثم التحول المفاجئ من النقيض”عدم التدين” إلى النقيض”التدين الشديد”، نتيجة لحدث أو موقف معين ، ونتيجة لذلك فانه يتسم بالغلو والتشدد الذى يلزم منه تجاوز ضوابط الدين ذاته … الثاني : التدين كدفاع ضد انفعالات سالبة تسيطر علي الشخص مثل الخوف أو القلق أو الشعور بالذنب أو تأنيب الضمير أو القهر والإحباط… ومحاوله للتخلص منها. ثالثا: التدين كآلية لتخفيف حده التدهور الذهنى، وفى حاله فوات الوقت على معالجه هذا التدهور، قد تظهر أعراض المرض العقلي المعين، مصطبغة ببعض المفاهيم شبه الدينية ، التى تتعارض مع صحيح الدين. في كل ما بحثته مسبقا هو للاثبات الواقعي للدين والتدين الشكلي والفرق بينهما ، لأقدم صورة واضحة عما هو موجود الآن من دين ليست له اي صله بالدين وحقيقة الدين ، فبأسم الله انتهكت الحرمات وشاع الفساد والاستبداد والاستغلال كون معظم الناس لايملكون اي تصور عن الدين الحقيقي وانما اخذوا تدينهم من افواه الناعقين على المنابر المفرقة للجماعات وكذلك اعتمدوا على التوريث الديني وهذا ماوجدنا عليه اباؤنا ، وعليه لابد من البحث والاستقصاء والاعمال بالعقل والتمييز بين الحقيقة والوهم بعيدا عن الحلال والحرام الذي وضعه الذين لايعرفون من الدين سوى الظلمات واستباحه الحقوق وتعدد الزوجات والانعزال البيئي المعروف الان بين منطقة واخرى !! وهذا ما ولد الفرض الإقصاء بحق الناس باسم الدين حتى بات الإكراه فرضا من فروض الدين حاليا ، فقبل ايام تم إلقاء القبض على المفطرين في شهر رمضان وهؤلاء المفطرون هم من عمال يكدحون في حرارة الشمس ليوفروا لقمة عيش كريمة لعوائلهم المتعففة ، فهل ياترى هذا الفعل يرضى به الله مثلا ؟ ، حتى فرضت كفالات باهظة مقابل اخراج المفطرين من التوقيف!! اي دين هذا ياترى الذي يفرض تعاليمه فرضا وجهرا على يد ثله لاتعرف من الدين شيئا !! وعليه اذا يأمرنا الفاسق بالأيمان جبرا سيكون الكفر عبادة منطقية تقربنا الى الله.
|