السلوك العدواني لدى الطلب وعلاجه النفسي

 

العدوان: هو سلوك ينتج عنه إيذاء شخص أو إتلاف لشيء أو هو سلوك يهدف إلى أحداث نتائج تخريبية أو مكروهة، أو للسيطرة من خلال القوة الجسدية أو اللفظية على الآخرين.

يعد السلوك العدواني احد من الخصائص التي يتصف بها الكثير من الأفراد المضطربين سلوكياً، ومع أن العدوانية تعد سلوكاً مألوفاً في كل المجتمعات تقريبا ألا أن هناك درجات من العدوان بعضها مقبول ومرغوب كالدفاع عن النفس والدفاع عن حقوق الآخرين وغير ذلك، وبعضها غير مقبول ويعتبر سلوكاً هداماً ومزعجاً في كثير من الأحيان، ففي المدارس مثلاً نجد أن العدوانية غير المرغوبة تظهر على أشكال مختلفة منها الإساءة اللفظية والجسدية للآخرين، وتخريب ممتلكات المدرسة وعدم إطاعة القواعد والتعليمات حيث يواجه المدرس صعوبة في إدارة الصف وتوجيهه. إن الطلاب العدوانيين لم يولدوا كذلك فربما كانوا قد اكتسبوا هذا السلوك العنيف لأول مرة في المنزل، كما يتعلم الطالب منذ الطفولة السلوك العدواني من خلال وسائل الإعلام، وعلى الرغم من انتشار تلك المشكلة وما تنطوي عليه من مخاطر محتملة، فإنها من المشاكل التي كثيراً ما يغفل عنها المعلمون، حتى عندما يتم تنبيه المعلمين إلى مثل تلك الحالات فإنهم يغضون الطرف عنها، حيث ينظرون إلى العنف بوصفه عادة غير ضارة مرتبطة بمرحلة سنية معينة من الأفضل غالباً تجاهلها. لكن الحقيقة تقول بأنها مشكلة تتطلب من فريق العمل بالمدرسة أن يأخذها مأخذ الجد حتى لا يتطور السلوك العدواني على المعلم والمدرسة الإحاطة بكل أشكال السلوكيات العدوانية، والعمل دوماً على تقليص مظاهرها، ومحاولة الوقوف الدائم عند أسبابها.

لقد أشار كل من ميلز وديفنز 1982 إلى أن هناك خمسة محكمات أساسية نستطيع من خلالها تعريف العدوانية وتحديدها وهي :(نمط السلوك, شدة السلوك, درجة الألم أو التلف الحاصل ,خصائص المعتدي, نيات المعتدي).

تشكيل رأي

لقد كان شائعاً في الثلاثينات والأربعينات من هذا القرن العشرين إن الإحباط يقف وراء جميع الأشكال العدوانية إلا انه تم التشكيك في هذا الرأي بأن أجريت الدراسات الحديثة في مجال التحليل النفسي التي أظهرت أن العدوانية ناتجة عن دوافع داخلية لا شعورية، كما اظهرت الدراسات التي أجراها باندورا 1973وباترسون وآخرون 1975 أن العدوانية تعد سلوكاً متعلماً فالأفراد يتعلمون الكثير من السلوكات العدوانية عن طريق ملاحظتهم لآبائهم وإخوانهم ورفاقهم في اللعب والممثلين في التلفزيون والسينما فهم يقلدون الأفراد الذين يسلكون سلوكاً عدوانياً خاصة إذا كان هؤلاء الأفراد ذوي مركز اجتماعي مرموق، أو إذا كان هذا السلوك العدواني يظهرهم بمظهر الأبطال، ومن المرجح أن يتحول الأطفال إلى ممارسة السلوك العدواني إذا اتيحت لهم الفرصة لذلك دون أن يتعرضوا لنتائج غير سَّارة وإذا حصلوا على مكافأة أو نتائج سَّارة.

لقد كان الاعتقاد السائد قديماً انه على الرغم من أن الأفراد العدوانيين يسببون الكثير من المشاكل إلا أنهم أفضل حالاً من الأفراد الذي يتصفون بالانطواء، أو بالأنماط العصابية وذلك من حيث التفاعل الإجتماعي، والعمل المدرسي، إلا أن الدراسات التي أجراها روبنز 1979م جاءت لتدحض هذا الاعتقاد وتؤكد على إن العدوان يصاحبه فشل اجتماعي، أما بالنسبة للإفراد الانطوائيين أو العصابيين فبإمكان نسبة كبيرة منهم أن تحصل على عمل في المجتمع، وان تتغلب على مشاكلها السلوكية، وان يصبحوا بمنأى عن السجون والمصحات النفسية بدرجة اكبر من الأفراد العدوانيين.

الأسلوب النفسي التربوي

لقد جاء هذا الأسلوب الذي يجمع بين الجوانب النفسية والجوانب التربوية كخطوة من التحليليين للتغلب على السلبية التي رافقت النظرية التحليلية إذ أنها تهمل الجوانب التربوية وتنظر إلى المدرسة نظرة ازدراء ولقد استندوا إلى فرضية مفادها أن مشاكل الفرد تنتج عن تداخل ما بين الطاقات البيولوجية الفطرية، والخبرات الاجتماعية المبكرة وعليه فقد وضعوا هذا الأسلوب لإيجاد التوازن بين أهداف العلاج النفسي والأهداف الأكاديمية والسلوكية.

وتعد هذه الاستراتيجية أو الأسلوب مزيجاً من أساليب التحليل النفسي وأساليب تعديل السلوك، بمعنى أنها تهتم بما يفعله الطالب في المدرسة من سلوكات وفي نفس الوقت لا تهمل البحث في الأسباب التي أدت بالطالب لسلوك تلك السلوكات، عدا إنها كأسلوب تهتم بالصعوبات التعليمية الناتجة عن الاضطرابات السلوكية، وتدرس تأثير جماعة الأقران والظروف البيئية المحيطة بالطالب ولا تهمل دور المدرس في العلاج.

ويلخص (عبد الرحيم 1982) أهم عناصر هذه الاستراتيجية في النقاط الآتية:

اولا- توجد هذه الاستراتيجية مداخل، متعددة لتعامل الطالب، مدخل السلوك العقلي ومدخل أسباب السلوك، ومدخل الصعوبات التعليمية التي يواجهها الطالب منذ الطفولة.

ثانيا- إن الطالب يملك طاقات فطرية عندما تتفاعل مع الخبرة فإنها تحدد قدرته على مسايرة المواقف.

ثالثا- إذا لم يكن الطالب مزوداً بمهارات النجاح في العمل المدرسي فإنه يواجه الفشل الذي يترتب عليه الإحباط والشعور بالقلق مما يؤدي إلى سلوك سوء التوافق.

رابعا- إذا تمت مواجهة سوء التوافق عند الطالب بالعنف من جانب المعلم أو الرفاق، فإن ذلك من شأنه أن يخلق قدراً اكبر من الإحباط للطالب مما يضعه في حلقة مفرغة.

خامسا- كسر تلك الحلقة هو الهدف الأساس لهذا المدخل.

سادسا- الهدف هو تقليل السلوك سيء التوافق وتعليم الطالب مسايرة الحاجات والضغوط.

سابعا- يوضح التركيز على أهمية العلاقة بين المدرس والطالب على أساس وضع توجيه تربوي نفسي يتكون من الهيئة التدريسية، وعلى حث دافعية الطالب لتعلم الأشكال المختلفة من السلوك وتقويمها.

وهذه بعض النصائح التربوية التي تهدف إلى ضبط والحد من ظاهرة السلوك العدواني :

– أعلن لطلابك بوضوح أن السلوك العدواني غير مقبول. ويمكنك أن تحيطهم علماً بعواقب الإقدام على أي سلوك عدواني، وشجعهم على إبلاغك فوراً عند ملاحظة أي صراع أو اعتداء بدني وقع بين زملائهم.

– أكد لطلابك أنك سوف تحميهم. فإذا لاحظت أن طالباً يمارس اعتداء بدنياً على زميله، فإتخذ الإجراءات اللازمة لإيقاف ذلك على الفور، لحماية الطالب ولإيصال رسالة مفادها أنك لن تتسامح مع مثل هذا السلوك.

– كُن حاسماً في فض المشاجرات. فإذا حدث وتشاجر طالبان أمامك، فعليك أن تأمرهما بالتوقف بصوت عالٍ وقوي وبعد المشاجرة، عليك أن تلتقي بالطالبين حتى يخبرك كل واحد منهما بما حدث من وجهة نظره، وعليك بعدها أن تصلح بينهما، وترسل إشعاراً بما حدث لآبائهما.

– عامل الطالب بهدوء ولكن بحزم. ولا تلجأ لأسلوب الشدة إلا كحل أخير. ودعه يعبر عما يثير ضيقه دون أن تقاطعه، وأعرب بعدها عن تفهمك لمشاعره.

– فكّر في إبعاد الطالب العدواني, فإذا قررت عقابه بأسلوب الاستبعاد المؤقت، فليكن ذلك بسرعة وحزم وقل له عندها: “أنت تعرف القاعدة: ممنوع ضرب الآخرين. عليك أن تخضع الآن للاستبعاد المؤقت”. وعندما يعود الطالب من الاستبعاد، عليك أن ترحب بعودته، وتذكره بقاعدة منع السلوك العدواني، ثم ابحث عن فرصة تثني فيها على سلوكيات الطالب المقبولة فيما بعد.

– بعد أن يهدأ الطالب، تحدث معه على انفراد. أخبره بصوت هادئ أنك تتفهم أسباب ضيقه ولكن أكد له أيضاً أن عليه البحث عن طريقة أفضل للتعبير عن غضبه باستخدام الكلمات وليس باستخدام يديه. وركز معه على الأقوال والأفعال التي ينبغي أن يغيرها في المرة التالية.

– اطلب مساعدة الوالدين, وحاول أن تعرف منهما أساليب حفظ الانضباط التي تفلح معه، وبعد أن تتفق معهما على خطة للتحكم في سلوك ابنهما، واحرص على أن يسمع الطالب بنفسه الوالدين وهما يعلنان اعتراضهما على سلوكه ويعربان عن تأييدهما لأسلوبك معه في غرفة الدراسة (الصف).

– اجعل الطالب يعتذر. إذ عليك أن تشجعه على أن يتصالح مع زميله الذي اعتدى عليه بالضرب، ولا تسعى لإجباره على الاعتذار، لأن ذلك قد يثير غضبه.

– علّم طلابك مهارات تصفية النزاعات. وذلك من خلال تعليمهم أساسيات المهارة اللغوية اللازمة لمناقشة الأمور مع الآخرين، وهي تشمل: التزام الهدوء، الإنصات للآخرين بدون مقاطعتهم أو لومهم أو إهانتهم، استخدام ضمير المتكلم في التعبير عن المشاعر الشخصية وتوصيلها ووضع وجهات نظر الآخرين في الحسبان.

– خاطب رغبة الطالب في قبول وكسب حب أقرانه. وانصحه بأن أفضل طريقة لكسب إعجاب زملائه تكون بأن يظهر أمامهم قدرته على السيطرة على انفعالاته.

– تواصل مع الطالب. فقد يفقد الطالب العدواني ثقته بمعلمه وينظر إليه كخصم أو عدو. فحاول أن تكسب ثقته بعدة طرق، كأن تخصص من وقت لآخر بضع دقائق تتحدث فيها معه حول اهتماماته وهواياته.

– استشر المتخصصين وتشاور معهم, ويمكنك أن تطلب من الموجه المدرسي توجيه النصح والإرشاد له، فقد يكون بحاجة لمن يوجهه بشان أسلوب حل نزاعاته مع أقرانه والبحث عن أساليب سلوكية بديلة.

– كلف الطالب بأعمال الخدمة الاجتماعية. إن تكليف الطالب بمهام تتضمن مساعدة الآخرين يمكن أن تشجعه على التصرف بشكل أكثر تعاطفاً وأقل عدوانية تجاه أقرانه.

– تدبر إجراء الاختبارات اللازمة للطالب لمعرفة ما إذا كان من ذوي الاحتياجات الخاصة. فمثل هذا الطالب قد يحتاج نوعاً خاصاً من الإشراف الكامل والتوجيه الفردي الذي لا تستطيع إمداده به.

– في حال تطور السلوك العدواني إلى إيذاء أو تحرش بالإيذاء فمن الضروري أن تكون متيقظا لملاحظة حدوث ذلك, وقد لا ترى فعلاً إحدى هذه الحالات بنفسك فيمكنك رؤية آثارها وحينها يجب اتخاذ مايلزم بقرار من لجنة الادارة واستدعاء ولي الامر للطالب المعتدي.

وضع (لونج 1971) بعض الاقتراحات التي يمكن الاسترشاد بها عند استخدام الأسلوب التربوي:

– يجب تطوير البيئة التربوية بشكل يسمح بمراقبة المؤثرات النفسية التي يمكن أن تؤثر على الطالب وذلك كمراقبة التفاعل بين الطالب (وكل من المدرس والعاملين والأقران ) وكذلك مراقبة كل من التنظيم الاجتماعي للصف، والقيم التي يتبناها المدرس، للطالب كما يجب على المدرس أن يكون على وعي بهذه المؤثرات وان يعمل على تعديل بيئة الصف لكي يسهل على الطالب التكيف النفسي والشخصي.

– التركيز على علاقة المدرس بالطالب وعلى خصائص المدرس مثل العطف والإحساس والتسامح، وغيرها من الخصائص التي تعتبر هامة ومطلوبة للتعامل مع الطلاب المضطربين سلوكياً، فالطالب المضطرب سلوكياً يجب أن يشعر أن المدرس مهتم بتكيفه الشخصي.

– يجب أن يمتزج التعلم بالمشاعر الإيجابية إذ أن التركيز على التعليم فقط بما فيه من عمليات حسابية، وحقائق وقراءة كتب مقررة قد يؤدي بالتلميذ إلى الإحباط والغضب، لهذا يجب التركيز على الأنشطة المرتبطة بإهتمامات الطالب بالإضافة إلى التعليم.

– مساعدة الطالب على التعامل مع الضغوط والصراعات النفسية الناتجة عن الخبرات السلبية التي تعرض لها وذلك من خلال التركيز على جوانب محددة من الصراعات والأزمات التي يعاني منها الطالب ومساعدته على حل المشكلة وتطوير بدائل ايجابية للتعامل مع المواقف التي تسبب هذه الصراعات والأزمات.

– على المدرس أن يكون له استعداد للتعاون مع العاملين في المدرسة، والمجتمع لمساعدة التلميذ المضطرب سلوكياً، فتربية التلاميذ المضطربين سلوكياً يجب أن لا تكون مسؤولية المدرس بمفرده بل على المدرس أن يكون قادراً على تنظيم دعوة الأفراد ذوي التخصصات المختلفة (الطبيب، الأخصائي النفسي، الأخصائي الاجتماعي، معالج النطق، أولياء الأمور) وغيرهم من اجل بناء وتطوير برنامج علاجي للطالب الذي يتصف بالسلوك العدواني.