قرارات تغيّر مصير دول الراديكاليات المتعسفة |
عندما يتقدم الانسان في العمر ويبدأ الخط البياني للحياة بالنزول وكأننا في قمة جبل يبدأ الانسان يختبر او يعيد ما خزنته الذاكرة المذهلة للحوادث التي مرت به واغلب الأحيان يكون الندم على ما فاته كنت واحد الأصدقاء نسترجع الذكريات الدراسية في الجامعة المستنصرية تيمنا بالمدرسة المستنصرية احد اثارنا الشامخة والشاخصة الدالة على عمق حضارة عراقنا العظيم (الايل للخراب حاليا). كان من ضمن الذكريات كيف سوقنا للخدمة الإلزامية العسكرية ونحن مازلنا طلابا في الجامعةكانت الحرب العراقية الإيرانية في بدايتها وكما هو معروف واحدة من أطول الحروب في التاريخ الحديث.. كنا في الصف الرابع على وشك التخرج في كلية الإدارة والاقتصاد لسنة 1979 حصلت الحرب بيننا وبين جارتنا ايران قوانين التعليم العالي تسمح بالتاجيل او الرسوب لسنة واحدة او نظام العبور لمرة واحدة قسم من الطلبة حاول الاستفادة من هذه المرونة في القوانين كي يؤخر التحاقه بالعسكرية وتفادي خطر الموت والأخر له حق طبيعي بالتأجيل وقسم اخر لظروف خاصة او عدم كفاءته رسب والكل له حق الامتحان وفرصة لمرة واحدة.. وكما هو معلوم كانت ضمن تشكيلات الدولة العراقية المنظمات الجماهيرية من ظمنها (الاتحاد الوطني لطلبة العراق) ومن المعروف ان الطلبة هم شريحة مثقفة وهم في عمر الورود واندفاع عال في الحياة تشكيل الاتحاد الوطني من نفس الطلبة المستمرين في الدراسة وبينهم الكثير المنظم سواء بالترغيب او الترهيب وكانوا بمثابة (عيون السلطة) كان من ضمن واجباتهم رفع تقارير الى الاتحاد عن كل ما يدور في أوساط الطلبة وحتى العلاقات الإنسانية والحب والمشاعر بين الطلاب والطالبات رفعوا بها تقارير.. من ضمن ما كتب من تقارير حول موضوع قيام الطلبة ترك الدراسة تفاديا لخط الحرب يبدو ان التقارير بهذا الخصوص اخذت طريقها بسرعة للتنفيذ ولا اعرف ما السبب كل ما يؤذي الانسان بسرعة وانسيابية عالية دون تعقيدات يحقق المطلوب حتى في الوظيفة امر اداري فيه خير للموظف يتأخر كثيرا حد الإهمال اما السبب قطع راتب، توبيخ، ينشر بسرعة كالصاروخ شفهيا وتحريريا.. على اية حال تقارير (الجهاز الأمني) للطلبة اخذ صيغة القانون وصدر وتم العمل بموافقة (م. ص. المشاط) وزير التعليم العالي في حينه ومكافأة له اصبح سفير العراق في باريس هذا الشخص لانه دمر الالاف المؤلفة من الطلبة. القرار اعطى الحق للطلبة بأداء الامتحان اثناء الخدمة الإلزامية او بعد التسريح وكأننا في بلدان اسكندنافية والطريق مفروش بالزهور والورد ويستقبل الجنود بعد المعركة بالترحاب والاحترام والمكافأة.. لقد طوى النسيان الالاف المؤلفة من الجنود المساكين المغلوبين على امرهم وسيقوا كالنعاج الى محرقة الموت التي امتدت لاكثر من (8 ) سنوات. في السياسة هناك الصراع في الأنظمة الشمولية الدكتاتورية من اجل السلطة ولحل الاشكال يتم اللجوء الى الاغتيالات. لقد تم اغتيال الطلبة كما يقال (بجرة قلم) وبقليل من الحبر على الأوراق المتوجهة البيض النظيفة الجميلة تم التوقيع على القرار. وقع القرار السيد الوزير وتم اغتيال الطلبة وخسروا حياتهم شهاداتهم.. الذي لم يمت في الحرب مات نفسيا.. المهم تم سوقنا عن طريق مراكز التدريب بسرعة وبدون تعقيدات وكما يقال بالعامية العراقية (فيها كسران ركبة) في مركز مشاة الحلة كانت سرية واحدة فيها اكثر من (700) خريج معظمهم من المراحل المنتهية بضمنهم طلبة المجموعة الطبية/ طب والصيدلة هؤلاء انتهى مستقبلهم (بجرة قلم) السيد الوزير.. تم بعدها نقلنا كل حسب صنفه وكان نصيبي البصرة حان موعد الامتحانات النهائية وحسب التعليمات قدمت طلبا الى وحدتي للحصول على إجازة بعد تحضيري وقراءتي للمواد الراسب بها وكانت (مادتان) فقط كنت خلال الاستراحة اقرأ وأين نجد الاستراحة في العسكرية أيام العسكرية والحرب والاوامر العسكرية الصارمة؟.. الامتحانات كانت فرحة للمطوعين بالعسكرية خصوصا (البكلوريا) فكان الكثير منهم يحصل على إجازة لغرض أداء الامتحان شكليا كانت التعليمات تجيز منح الاجازة في البصرة بالتحديد في منطقة (الجباسي) عبر جسر شط العرب الضفة الأخرى المعروفة باسم (التنومة) ورسميا باسم قضاء شط العرب باتجاه الحدود العراقية – الإيرانية هذه المنطقة فيها بساتين من التمور تمر البصرة المختلف الأنواع وهذه الأرض الطيبة وناسها الطيبون الاوفياء دمرت بساتينهم بسبب الحرب واحيانا مع الأسف منا نحن اهل البلد عبثنا بممتلكاتهم.. كان موعد الامتحان يوم السبت في اليوم الذي سبق يوم الجمعة عصرا كنت انتظر بشغف كبير استلام (الاجازة) للذهاب صباحا الى بغداد لاداء الامتحان. كنت انتظر مع المنتظرين من ضباط الصف (نائب ضابط، عريف) استلام الاجازة (صك الغفران) حصل الجميع على الاجازة الا انا لا اعرف مصير اجازتي ولا يمكن بسهولة مراجعة قاطع الامرية والضباط الا بموافقة فكانت صعوبة بالغة وقاسية جدا كي اعرف مصير طلبي المقترن بكتاب الجامعة المستنصرية/ كلية الإدارة والاقتصاد وفيها جدول الامتحان وكان الامتحان بين يوم واخر عليه كان عدد أيام الاجازة (عشرين يوما) وهذا في العسكرية ليس بالامر اليسير فيه صعوبة كبيرة.. علمت بعد ذلك أُهمل طلبي.. الصدف في الحياة لها دور كبير واحيانا تغير مجرى حياة الانسان لكثرة مراجعتي وكنت منفعلا ودخلت بمشادة كلامية مع انضباط الآمر كدت اسجن بسببها هنا تدخل ضابط تعرفنا عليه ليلا في احدى المعارك كنت في الموضع وكان إدارة قلم جاء لي الضابط يبحث عن اخ له من خلاله عرفت ان اخاه حالته شبيه بحالتنا كان في الكلية الطبية الصف المنتهي يبحث عنه لغرض الاجازة الدورية من خلالي عثر على اخيه كان لدينا في الوحدة وسهلت مهمته وعرفت انه ضابط مجند خريج كلية الهندسة. في الموضع قال لي انت متعلم شرحت له موضوعي قال في حينها نفس مشكلة اخي تدخل الضابط واخذني معه الى الآمر وكان بحالة عصبية جدا مستاء مني بسبب شجاري مع الانضباط وقال له هذا ادب سز وكذاب يريد إجازة عشرين يوما.. وبدلا من ذلك، هذا نموذج السجن عشرين يوما كي يتأدب في العسكرية نحن نربي قليلي الادب والأخلاق.. تدخل الضابط وكان اسمه (سلام) على ما أتذكر هذه الحادثة في البصرة عام 1980 في مقر قيادة الفرقة الذهبية الرائعة الثالثة.. شرح له موضوعي وقال له انه قريبي كان انسانا رائعا يندر في الحياة ان نجد من يقف بجانبك في مواقف صعبة ومعقدة دون صلة قربى او مصلحة معينة فيها منافع هاتان الخصلتان هما صلب العلاقات الاجتماعية في العراق ومذكورة في كتاب العلامة الرائع المرحوم الدكتور علي الوردي (طيب الله ثراه) من علامائنا الاجلاء المحترمين ما اكثرهم وما اشد حاجاتنا لهم فالعلماء ورثة الأنبياء.. وافق الآمر على منحي إجازة عشرين يوما ذهبت بقطار البصرة وقوفا من البصرة الى بغداد نمت في ممرات عربات القطار وتأتي ركلات احذية الجنود كان القطار مزدحما وكثير من الجنود ينام من شدة التعب والارهاق.. قسم من الجنود يبحث عن ضالته (الجوع الجنسي) والأخر يبحث عن الطعام انها الغرائز غريزة الطعام والجنس وهما المحفزان لحركة الانسان كلما ازدادت الحركة بحثا عن الطعام والنساء وصلتنا رفسات البساطيل (بسطال أبو خليل) بالمناسبة كان راتب الجندي بتأسيس الجيش العراقي البطل 3 ,750 بالعامية اربع دنانير الا ربع الدينار في حينها كان الدينار العراقي اكثر من (3 ) دولار امريكي وصلنا الى المحطة العالمية في علاوي الحلة صباحا.. هذه المحطة من اقدم محطات النقل في العالم كان تسمى خط بصرة – بغداد – برلين تمر بحلب (سوريا) تركيا (إسطنبول) وهو من البنى التحتية المهمة ومع الأسف نحن نعاني معاناة كبيرة في قطاع النقل. كان موعد الامتحان في نفس اليوم ذهبت الى الجامعة واديت الامتحان الأول وانا بملابس العسكرية وبحالة مزرية من التعب والجوع والعطش.. الامتحانات كانت بين يوم واخر حسب جدول الجامعة الامتحان الثاني كان في نهاية الجدول هنا حصلت مفارقة لم تكن بالحسبان تزامن عيد الأضحى مع الامتحانات كارثة حصلت بالنسبة لي انتهت الاجازة الدورية وتم تأجيل الامتحانات (4 ) أيام لا اعرف ماذا اعمل لا استطيع الحركة بالشوارع بقيت في البيت بانتظار انتهاء العيد تجاوزت على الاجازة العسكرية 4 أيام ذهبت بعد العيد لاداء الامتحان الأخير دخلت الجامعة وكأنني (لص) لا استطيع الدخول كان هناك مؤتمر طلابي عالمي على قاعة الجامعة المستنصرية حضره مسؤولون كبار وقد انتشرت مفارز الشرطة والجيش والانضباط وغيرها لذلك دخلت من باب جانبي تخرج عجلات الموظفين وكانت الباب بالصدفة مفتوحة اديت الامتحان ذهبت الى عمادة الكلية وشرحت لهم ظرفي زودني السيد العميد مشكورا في حينها بكتاب شرح فيه أسباب تأخري عن الاجازة الدورية استفدت من الكتاب كثيرا في السيطرات العسكرية حان موعد التحاقي بوحدتي العسكرية في البصرة بالتحديد منطقة الجباسي تم ادخالي الغياب الرسمي ويبقى يوم واحد ينطبق عليه جريمة ارتكاب الغياب الرسمي في زمن الحرب عقوبتها الإعدام ادخلني رئيس عرفاء الوحدة الى الآمر وكان بحالة عصبية وانفعال ولم يقرأ كتاب الكلية ولم يستمع ولم يقبل أي عذر اودعت السجن (30 )يوما والسجن كان عبارة عن حاوية تم تحويلها كسجن نخرج صباحا نقوم بتنظيف الوحدة – زبالين مهانين – عوقبنا بقطع راتب لمدة شهر تأخير تسريحنا شهرا كان شهرا قاسيا بكل معنى الكلمة والحمد لله حصلت على شهادة بكالوريوس بقتال اخر بعد هذه المعاناة الا يستحق مقاضاة المدعو (م. ص. المشاط) لما سببه لي من عذاب واوجاع واهانات ومتاعب؟ هذه الحادثة حصلت لكافة الخريجين لسنة 1980 حيث سيق الجميع الى محرقة الموت (الحرب العراقية الإيرانية) دون استثناء للحالة المرضية او نظام العبور او إعادة السنة وكانت معمول بها حب القوانين المتعارف عليها. ابتلي التاريخ بافراد يقررون مصير الالاف من البشر دون وازع من ضمير. فقط الاحتفاظ بالكراسي والسطة التي لابد ان يغادروها. وتلك الأيام نداولها بــــين الناس.
|