الأهوار ( يوم في فنيسيا )

نهر الراين الذي يقسم مدينة كولن الألمانية يصنعه الماء ، الأهوار جنوب ميزوبوتاميا هويتها وروحها المياه ، الأنهر والقنوات التي تمشي في أوردة فلورنسا دمائها الماء .

دمعة أمي أيضا ، ودموع الشهداء ، وموسيقى المطر . الله جعل من الماء كل شيء حي .

خواطر البحارة ، ورحلات السندباد ، وعطش الحسين وأهله ( ع ) ، مناقير الطيور ، ومزاريب اسطح بيوت الطين وحبال الغسيل وأبريق سقي الزهور ، كلهم لهم مع الماء مودة الوجود وحكاية ما .

وحتى أكتشف أن لي في هذه الحياة غيمة كما اريكة استريح عندها من اجل صناعة مطر الذكرى لحياتي واحلامها منذ صباي وحتى اللحظة التي حزمت فيها حقيبتي الى جنة قارة اوربا . فنحن نحتاج الى من يبلل أجفاننا بالمشاهد الجديدة حتى لاتتيبس فيها النظرات وتموت.

والأن ، والراين يمضي الى أمكنته البارونية بثبات كما خطوات جند في كتيبة البارنز المدرعة ، استريح عند اريكة تلك الغيمة المعلقة في سقف سماء الاهوار هناك تلك التي كنت استطيع فيها أن اتخلص من اي شيء يمنح خواطري فسحة كتابة خاطرة وعلى صدى الجنين لاغنية في مذياع الفيليبس الذي تطربنا فيه السيدة ام كلثوم في اغنيتها الخالدة ( حكم علينا الهوى ..نعشق سوى ).

بالرغم من تحسسنا من رطوبة المساء في اليوم الشرجي ، وبخار الماء اللزج يتصاعد من بين القصب ، تصاحبه ازعاجات اخرى من لسع الحرمس والبعوض التذي عندما كنا نطرده ، فلا يبعتد فنظرد لتركه يمص من دمائنا ونحن نمتص من صوت السيدة فتكون المعادلة عادلة على أمل ان يأتي الصباح ومعه تأتي النسائم والشمس وصباحات المدرسة والدار والدور ، والبعير الذي لم يزل على التل ، فيما نصف معلمي المدرسة هاجر في غربته ربما نهايتها مقابر في مدن الغربة .

تلك الايام ، الماء فيها أول شبابيك الذاكرة الى ما كنا ننتمي اليه ، فهو سفينة نوح التي نصل فيها الى احلام طنجة ، وهو شهرزاد التي تحمل اشرعة السندباد بين انوثة صوتها وحكاياتها التي ربما توصلنا الى الجزر اليونانية ، وهو الحورية التي لها ذيل سمكة والتي تجمنا بعاطفة غرام الاناث وتذهب بنا الى باريس ,

والان بعد كل هذه المسافات من التمني والحلم والشبق وأدخار الدينار من راتب الثلاثين دينار شهريا وبعض سحر اغلام السنما واغلفة مجلات الشبكة والموعد الكواكب .

ترمي احجار عرافتك السومرية على الخارطة التي ترسمها على الطين البارد لضفاف الاهوار والتي كتبت عليها اسماء ومواقع مدن وموانئ وامكنة كنت تحلم بالوصول اليها منذ ايام طفولتك .

ترجع الى الخلف بمقدار مترين ثم ترمي الحصى على الخارطة الطينية لترى اي يقع الحجر على اسم اي مدينة او بلاد ، وهذه المرة وقع الحجر على اسم ايطاليا.وقتها ابتسمت وقلت :

كنت اتمنى برجيت باردو اولا .؟ ولكن لابأس أنها بلاد صوفيا لورين.

قال أحدهم :يوم تصل أيطاليا إن أردت أبقاء عطر الاهوار في حقيبتكَ أترك روما وأذهب الى البندقية .

ضحكت وقلت أما مللت من البنادق ، ثمان سنوات ونحن نحترف معها الموت والنعوش وعويل الامهات .

أبتسم وقال : وذاتها البنادق التي كنا نطارد فيها الخنازير الوحشية بين غابات القصب ، وتهلهل مع المعدان في اعراسهم .

قلت : ربما هذا جيد ، من الماء الى الماء.

قال :الفرق أن جندول البندقية غنى عنه محمد عبد الوهاب ، ومشحوف الهور غني عنه نسيم عودة.

ها أنا اهبط الى المدينة ، مع ذكريات لي في طنجة عندما تحدث لي احد اصدقاء الكاتب المغربي ــ الطنجاوي محمد شكري ، قوله أن شكري كان يعتقد ان طنجة آتية من قدم سومرية أتت مع ركاب رحلة نوح يوم رست على سواحل المدينة المغربية ,

وقتها ادركت ان القدم الآتية من مدن الاثر الطيني وقرى القصب والماء أنما تحمل بين ثيابها خواطر نوح ونبؤته وغزوته الغرامية لليل المدن التي عندما تكون مدن مسكونة بالماء يطفو عطر خيالها بمسافات ابعد من اي انطلاقة قذيفة مدفع.

ربما لأن اهل سومر يأتون الى الامكنة بخيال واسطورة وذكورة اكتسبوها من تلك الليالي الرائعة التي واقع فيها انكيدو البغي التي حولته من حيوان الى بشر.

الآن ..

ومدينة كولن تحتفي بسحر سير الراين في خاصرتها الانثوية وتصبح جسورها مزارا لأقفال الحب التي يضعها العشاق على الجدران الحديدية الرابطة لضفتي النهر ، اتذكر يومي الأول في البندقية ، وكيف يمتزج الخجل بالدهشة ، وكيف تتصاهر ابنية الحجر الروماني والهندسة القوطية للشرفات الرومانسية في صباح المدينة مع تلك الاقواس المحدودبة كمن يبدأ صلاته في السجود والتي تتقدم واجهات البوت المصنوعة من القصب لأهلي المعدان هناك ، أولئك الذين يومون في براءة الطبيعة وعذريتها ، ويبدأون صباحهم مع طاسة اللبن الرائب والعا الغليظة ( التوثية ) التي يقودون فيها جواميسهم الى امكنة الرعي والقيلولة بين غبابات القصب والمياه.

أتامل المدينة الايطالية المتشحة بجمال يميزها عن معمار وبيئة وخصوصية اي مدينة اخرى في هذا العالم لأتذكر قولا لأحدهم زار المدينة قبلي : وحدها فنيسيا تقول لك.لن تجد مثلي في أي سرير ولا على أي وسادة.:

هي مدن تعوم في المطلق الذي اختارتها لها الجغرافية والميتافيزقيا ، وأظن أن مدن الماء هي وحدها من تستطيع أن تجمع جماليات الأرض والسماء في آنية واحدة.

يبهرك المكان في فينيسيا حيث نوافذ البيوت الحجرية تطل على شوارع وازقة يختفي منها الاسفلت وعلى الخطوات ان تسخدم الزوارق لتمشي.

صورة الزورق ( الجندول ) في فنيسيا هي صورة مزركشة لتصاميم لاتحصى من الاشكال والالوان يصبغون فيها الزوراق ويصنعون ديكوراتها .

مقاعد وثيرة تشبه تلك التي كان يجلس عليها اكراء الدوقيات وممالك العصور الوسطى ، وبعض الزوارق اراكها من الستن الاحمر وتحمل ذات تصميم عرش كليوباترا ، بعضهم جعل مكان الاستراحة في زورقة الكرسي الذي كان يجلس عليه حاكم ايطاليا الفاشستي موسليني ، فيما فضل البعض نحت الحيوانات الاسطورية كالتنين على مقدمة المركب ، أما انا ففضلت التنزه بزورق رسم عليه صاحبه واحدة من اللحظات الرومانسية بين روميو وجوليت ، وكان وجه شكسبير مرسوم ايضا.

وبين خيال ونشوة ذلك الكرسي المخملي تمر على خاطري عشرات من قصص الغرام ، تلك التي كانت تعيشها قريتنا في اهوار الجبايش ، وكذلك القرى الاخرى ، وربما قصة ماريا المسيحية وشبوط ابن قريتنا هي واحدة من تلك الرومانسية التي اعيد وهج بريقها هنا في هذا المكان ، ليمشي في ارقة عروفي دم من لذة الحكاية وغرابتها يوم عشتها انا شخصيا وكنت قريبا من العاشقين .

وحتى اتخيل النهار الفلورنسي في جمالية يومه اتمنى ان اعيد على مسامع سائق الجندول تلك الحكاية العاطفية لروميو وجوليت ولكن احداثها وقعت في في مدينة فيرونا البعيدة وليس في مكان يكسوه الماء يسمونه : الأهوار.

ضحك الرجل البندقي وسألني : إن كان ماركو بولو قد وصل الى تلك الامكنة ؟

قلت :هو اتجه شمالا صوب الصين متخذا طريق الحرير مسارا ، ولم يتجه جنوبا صوب ميزوبوتاميا كما فعل الاغريق والاسكندر وبعض قياصرة روما.

قال الرجل :ربما كان مخطئا أنه لم يختار امكنة ساحرة تعيش بيئتنا ذاتها ، نحن هنا في البندقية نعتقد ان مدن الماء واحدة قادرة لتصنع العشاق والشعراء في النطفة الواحدة.

قلت : وقرى الاهوار تفعل ذلك ايضا.

ابتسم وقال : ما دامت تفعل . قص علي حكاية ماريا وشبوط .

قلت الليلة نختار حانة ، ولي صديق عراقي يعيش هنا منذ اعوام طويلة ليترجمها لك.

قال :كلا .احكيها بلهجة اهل الاهوار ، وانا سأفهما من عينيك ـ سأراهم كما فيلم سينمائي.

ضحكت وقلت : اي ميتافيزيقيا هذه ، ثم بدأت اقص الحكاية وبلهجة اهل الجبايش :

يُذكَرُ في خطابات الهوى ، أن التتار تعلموا الحب بطرائق المتصوفة ، عندما بدؤوا بتقبيل النساء دون أن تكون سيوفهم قرب وسائدهم. وفي ذكريات صباي يعيش الوجه الساحر للممثلة نادية لطفي ، في أساطير ما تصنع من دهشة فينا في افلامها الساحرة وأهمها ابي فوق الشجرة .

هذا الفيلم ابقى في ذكرياتنا طرق نواقيس عشرات القبلات الحارة التي كان يطبعها فم عبد الحليم حافظ بفمها ، مما أثار هذا فينا عشقا غريبا لأجواء فنتازيا الغرام وجعلنا نتخيل نادية لطفي افروديتا لأساطير اغريقية تسكن ليلنا السومري. كان جمالها جمعاً لغرام حضاري بين الشرق والغرب .

لهذا كان المعلمون في مدرستنا الواقعة في مدينة الجبايش يتمارضون ليحصلوا على اجازة كي يذهبوا لمشاهدة الفيلم حين بدأ عرضه في سينما البطحاء الصيفي في الناصرية بالرغم من أن ايام العرض كانت امتحانات بكالوريا.

أنا شخصياً إصطنعت لنفسي حجة ارتفاع الحرارة والصداع حتى يمكنني مشاهدة الفيلم . وفيما انا احظر حقيبتي وملابسي التي ستغسلها لي امي مثل كل اجازة حتى جاءني ( ماركوس المسيحي ) وكان نادلا مع ابيه المتعهد في نادي الموظفين ، اقمت معه علاقة مودة لجمال طبيعته وطيبته وفطرته وأنه اطيب من يطبخ ( المخلمة ) في هذا العالم ، وحين سألته عن حاجته ؟

قال :انه لم يجد احدا غيري ليودع عنده امانة.

قلت : انا لا أحبذ ان احتفظ بنقود لاحدهم لأني لا املك خزنة هنا ولا حتى دولاباً وانت تدري بيت المعلمين صريفة .

قال : لا ..أريد أن أودع لديك أختي ماري .

ضحكت ، وقلت مازحا :ما بها ماري ، هل نهبت مسلماً .

ضحك وقال : يا ريت ، ولكنها تريد أن تشاهد فيلم ابي فوق الشجرة لأنها مغرمة بنادية لطفي واغاني عبد الحليم حد الجنون.

ضحكت ، وقلت وكيف اعيدها ؟

قال : بيت اخي سرجون في الناصرية وهو يعمل نادل في نادي الموظفين . اوصلها لهم ، واعدها معك في اليوم الثاني.

قلت :هذا اسهل من أن تودع عندي مبلغا.

جاءت معي ماري ، ترتدي عباءة اهدتها لها جارتهم ، فكأني بجمالها يشبه جمال موناليزا المعدان المعلقة صورتها على جدران الطين في اغلب بيوت الاهوار ، جلست صامتة ، وانتبهتُ الى أن من يجلس امامنا ، هو ( شبوط ) الولد الاكبر لشغاتي عامل الخدمة في مدرستنا .

سألته : ما الذي تفعله في الناصرية .؟

قال :اشتري شباك صيد جديدة .

اقتنعت بجوابه ، غير أني احسست وبهاجس غامض أن اجفان ماري تمدُّ ضوءاً من نظرة مشتاقة الى اجفان شبوط ، لكنني قلت مع نفسي :من المستحيل جمع رأس الشبوط بثوب الراهبة.

في الليل اتت ماري مع عائلة عمها لتشاهد الفيلم وجلست قربي ، وكانت متعة الغرام الاسكندراني تذكرني بشهية قصائد كافافيس يوم قرأتها لأول مرة ، فعشت متعة تخيلي اني اسبح في اللذة التي يتحدث عنها الشاعر اليوناني وبعذوبة مياه شط اسكندرية.

إنتهى الفيلم ، واضيئت المصابيح ، وبينما كانت لذة الاستمتاع بمشاهد الفيلم تسكن عيون الجميع ، لمحت شبوط بن شغاتي يغادر مع الناس وفي عينيه تشع شهية تبادل القبلات .

ضحكت ، وأدركت وقتها لماذا كانت اجفان ماري ونظرتها تشد اجفان شبوط ونظراته بقوة ،لتثبت لأي من يشاهدهما انهما عاشقان.

تلك الحكاية ترسم من رقة مصادفات الحياة الغريبة شيئا ، ولكنها شيء من رومانسية المكان وتأثيره على القلوب حتى عندما تختلف مذاهبها وطوائفها ودياناتها.

لتعود الى نهار النزهة في فلورنسا ، أنهم يجيئون من كل بقاع الآرض فقط ليعيشوا اللحظات التي تشعرهم بذاكرة شكسبير في تخيل الاحداث الاسطورية لمسرحيته تاجر البندقية التي كانت واحدة من مواد دورسنا في الاعدادية بدرس اللغة الانكليزية .

يقفون خلف الشرفات المزينة بسلال الورد وكأنهم يستعيدون لحظات روميو وهو يمسك قيثارته تحت نافذة جوليت ، بالرغم من انهما كانا يعيشان اصلا غب مدينة فيرونا إلايطالية إلا أن صدى حلم شكبير يشعر يه الناس وكأنه سكن مدينتهم ليكتب تاجر البندقية وغرام جوليت الذي يشبه غرام قيس وليلى وماريا وشبوط.

بيوت تزخرفها اوراد من الحجر ووجوه حيوانات اسطورية وملائكة تطير في سماء المدينة ، تتحرر من رخامها وتحتضن اجسادا للالهة اغريقية مثل فينوس وافروديت ، وقديسين كؤلئك الذين جالسوا المسيح في مائدة الليلة الاخيرة ، وهناك ايضا شرفات يطل من اطارها الوجه الطيب لسقراط او افلاطون او فيثاغورس او وجوه قياصر روما القديمة.

أتذكر نوافذ بيوت القصب التي كانت تطل من خلالها نظرات أناث القرى وهي تشد اجفانها الى عذوبة أغاني الصيادين القادمة بحنين المواويل والابوذية والنواح من اعماق الهور.

تجتاحني موسيقى الأشتياق ويصعد على اكتافي الحنين الاخضر وهو يعيد إليَّ صدى اللغات العذبة لعشرات من انواع الطيور القادمة من مدن البلطيق وكندا وسبيريا والبلقان لتنال قرب القرى الدافئة وحنان مواقد الجمر و( المُطال ) حتى عندما يتم شوائها في تلك المواقد ، عندما تستلم الطيور لشهية اهل القرى وتحمص على النار وتقدم الى اهل البيت وهم يعيشون لذة رائحة اللحم ، وكأنها قلبت لتكون صيدا سهلا لحصى مصيادة واحد من صبيان المعدان .

صورة البحر والنوارس التي تحوم على ازقة الماء ، تنقلك في المخيال والتمنى الى المكان الذي هناك ، في قرية التي شرفات بيوتها اقواس من القصب اليابس وهو يحدق في المكان المفتوح حيث كانت للآلهة الأولى ارائك وليالي كرع الخمرة وكتابة الشعر ونحت مسلات الصخر لملوك كانوا يقضون ربيع ايامهم سياحة بالمشاحيف وهم يصيدون السمك ويأكلون الخريط وييشون الطيور الحرة.

وبين أيام الأهوار ويوم في فلورنسا تعيش أطياف ما ترى ، أوربا الخارقة في الماء ، وفنيسيا الجنوب التي اودعتها لذكريات ايام التعليم ، الجبايش التي تسمى ( فنيسيا العراق ) أبقيت فيها يومها الأزلي وشكوى العطش وبدايات تجفيف الأهوار.

تتمدد على اريكة من الستن الأحمر ، يتخيلك صاحب المركب أن تاجر من مدن البترول أو مهراجا من بلاد الهند .

تضحك وترد عليه : معلم من الجبايش ، هي ايضا تعوم في المياه ، وقبل ان تبنى البندقية نحن لنا مع الماء أزل اسمه سفينة نوح .

قال الرجل بذهول : أنت أذن من ميزوبوتاميا .

قلت نعم منها .

قال : لاأدري لماذا لم يذهب ماركو بولو صوب مدنكم. لقد ذهب صوب آسيا .ولكنه اتخذ طريق الحرير مسلكا ، وأظن أن جنوب ميزوبوتاميا لا يمر فيها طريق الحرير.

قلت : نعم لايمر فيها سوى طريق الدفن الجنائزي في مقابر أور والمراثي والدموع وبطريات المدافع النمساوية 130 ملم.

تخيلت وقوف الرحالة البندقي أمام الخان وهو يسأله : هل وحدها مدينتكم من تعيش في قلب الماء؟

يرد الرحالة : نعم يا مولاي ؟

يجيبه الخان : أبن عمي هولاكو الذي احتل بغداد يتحدث عن قرى تحيطها المياه من كل جانب في جنوب بغداد . وانا الناس هناك ليس لديهم شوارع تمشي عليها خطواتهم بل خطواتهم زوارق صغيرة.

يرفع ماركو بولو رأسه ، يتخيل مكان لم يره ويتمنى أن يراه الآن ، لكن المسافة البعيدة والتعب والمخاطر التي نالها في رحلة من البندقية الى الصين تمنعه من فكرة رحلة أخرى.

يبتسم سائق الجندول ويقول : للأسف ماركو بولو لم يذهب الى الجبايش.

ضحكت وقلت : ولكن الكتب التي تتحدث عن رحلته ذهبت الى جميع المكتبات المدرسية في قرى الأهوار.

تنتهي رحلة اليوم الأول .... يتوقف الزورق عند مقهى جميلة .

الآن على اريكة زرقاء في مقهى ( انجيلا ) ... رواق طويل من مراكب متراصة صنعوا منها مقهى عائمة ، وفي نهاية الرواق جدار من الورد ، علقوا وسطه صورة صوفيا لورين.