ما أكثر المنجزات الحضارية التي انفرد بها أجدادنا في عصورهم الذهبية، وما أغنى إرثهم الملاحي الزاخر بالروائع، فقد كانوا أول من أكتشف الأساليب الملاحية الآمنة لركوب البحر، وأول من شيد أكبر السفن وأوسعها، وأول الذين خاضوا غمار البحار الواسعة، ووضعوا أساسيات علم الفلك. تشهد لهم النجوم التي رسمت مسارات الأساطيل الماخرة في بحار الله الواسعة، وتشهد لهم الجزر التي ظلت تحمل مسمياتهم بكل اللغات الحية. ألا يحق لنا بعد هذا كله أن نحلم من وقت لآخر بمستقبل جميل تزدهر فيه مؤسساتنا البحرية، ونستعيد فيه مكانتنا الدولية أسوة ببقية موانئ المنطقة، آخذين بنظر الاعتبار إن أقرب الخطوات لتحقيق أحلامنا ينبغي أن تبدأ باستعارة التجارب التي سبقتنا إليها الأقطار الناهضة، فمنذ زمن بعيد وأنا أحلم بالارتقاء بمستوى خططنا الاستثمارية، وأحلم بضبط موازناتنا التخطيطية المرتبطة بأنشطتنا البحرية، وتذليل الصعوبات التي تقف بوجه مشاريعنا الوطنية الواعدة، وإجراء الاتصالات اليومية المباشرة بالمنظمات والهيئات الدولية المعنية بهذا الأمر، ومتابعة ما يصدر عنها من تشريعات وبرتوكولات.
أحلم أيضاً باستحداث أقسام تخصصية جديدة تعنى بتنظيم حركة البضائع، وتتولى توزيع أنشطتنا التجارية على موانئنا المتعددة، وذلك في ضوء طاقاتها الاستيعابية، وبما يضمن منع التكدس والاكتضاض، وأحلم أن نتوصل إلى التكامل المنشود بين خطوط النقل البحري والبري والجوي، وأحلم باستحداث قسم يُعنى بالتشريعات البحرية، ويهتم بإعداد مسودات القرارات اللازمة، لتفعيل مشاركات العراق في المعاهدات والاتفاقيات البحرية الدولية، بما يتماشى مع مصالحنا الوطنية، وإدخال التعديلات على تشريعاتنا المحلية المعنية بتسجيل السفن واثبات ملكيتها والتفتيش عليها، وتشريعاتنا المحلية بالمعنية بتطبيقات النظم الخاصة بمنح التراخيص والشهادات للوحدات البحرية، وتشريعاتنا المحلية المعنية بتطبيقات النظم الخاصة بسلامة الملاحة في خور عبد الله وشط العرب.
أحلم باستحداث (غرفة الملاحة) التي تضم تحت سقفها مكاتب وشركات القطاع الخاص في إطار تعاوني رصين، ويكون نظامها الداخلي مشابهاً لنظام (غرفة التجارة)، وأحلم أن نعيد النظر ببنود ومواد وفقرات قانون الخدمة البحرية المدنية، الذي لم يستنشق نسائم التجديد منذ ولادته عام 1973، وأحلم أن تضع اللجان التخصصية لمساتها الأخيرة على قانون (السلطة البحرية)، الذي حالفني الحظ في كتابة مسودته من الألف إلى الياء، لكنها وقعت بيد الذين لا يجيدون قراءة المستقبل على الطريقة الإماراتية، أو الذين لا يرفضون تبني الأساليب الوطنية المتحررة من قيود الروتين.
|