يعشق العرب البطولة والشجاعة ويحترمون القوة لذلك حفلت اخبارهم واساطيرهم وحكاياتهم بالكثير من قصص الشجاعة والفروسية فكانت الملاحم العربية تعرض صورا شتى للبطولة الفردية وكانت تغريبة بني هلال وقصة سيف بن ذي يزن ومغامرات عنترة بن شداد وحكاية الزير سالم وغيرها من الملاحم العربية نقلت لنا صورا عن بطولات فردية كان لها تأثيرها في التفكير الشعبيوتاريخ العراق وبغداد بالذات حافل بمثل هذه الاسماء ..فمنها من لمع بالسياسة ومنها من لمع بالاقتصاد او الاجتماع او الشعر والادب والقصة والفن .. ومقالنا هذا سيبرز نوع آخر من الاسماء برزت بقوتها وجبروتها واقدامها في ردع الباطل ومناصرة الحق اينما كان اطلق عليهم تسمية " شقاوات " .. صحيح انه اسلوب غير متحضر لكنه ادى ثماره في زمن ضاعت فيه القيم الا نسانية وسادت لغة القوة بدلا من لغة القانون والنظام .. شخصيات بثت الرعب والخوف في صفوف الصفوة الكبار من علية القوم وكانت نهايتهم تثير الكثير من اللغط بين من عاش او تعايش مع تلك الحقبة من تاريخ العراق
فالشقي كان له دور كبير في مقاومة صور الاستبداد والتعسف ومناصرة الضعيف والمحتاج وما يتحلى به من قيم واخلاق هي في كل الاحوال تبقى جزء من التراث البغدادي فهو شاء ام ابى جزء من المنظومة الاخلاقية في المجتمع العراقي المبنية على الشهامة والنخوة ونصرة المظلوم .. الا ان ظاهرة بروز الشقاوات بدأت تأخذ منحى آخر في أواخر العهد الملكي عندما انخرط البعض من هؤلاء الشقاوات في العمل السياسي فكانت البداية لانتهاء نفوذهم من خلال تنفيذ حملات تصفية لاغلبهم في عمليات منظمة نفذتها احزاب سياسية مناوئة لهم وتنفيذ عمليات التصفية التي تمت اشرت نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة طوت صفحة الماضي ولكن باسلوب مازال يثير الكثير من الشبهات
من الحكايات الطريفة التي يتناولها العامة من الناس وخاصة كبار السن ممن عاصروا تلك الفترة من الزمن او ممن نقلوها عن ابائهم واجدادهم ان الشقي كان يتحلى بالنكتة والبحث عن حياة الترف لكن بحدود لاتنتقص من مكانته وقوة شخصيته .. وهناك حكاية بغدادية طريف تحكي عن اهتمام اهالي المحلة بالشقي ومعاونته انسانيا لكبح جماح اندفاعاته او لتجنب اعتداءاته ومن هذه الحكايات التي وردت في كتاب " باب الشيخ والشيخلية عبر التاريخ " للباحث فهمي محمود شكري ومفادها .. يقال ان اهالي محلة اشتكوا ذات يوم الى مختارهم عن شقي يعيش بينهم ومن ابناء محلتهم كان يزعجهم خاصة بالليل عندما يكون مخمورا وطلبوا من المختار ان يجد طريقة لكبح جماحه والعمل على ايقاف اعتداءاته وازعاجاته فاجاب المختار اصحاب المحلة بانه كان ولايزال ينصح هذا الشقي بالالتزام بالحشمة والهدوء وبعدم ازعاج اهل المحلة ولكن دون جدوى واستطرد المختار قائلا : لو استطعنا ان نزوجه فربما سوف نشغله بالزواج والاولاد ومعيشتهم عن سلوكه الجامح الحالي قال اهل المحلة انها لفكرة صائبة حقا لماذا لانسعى الى تحقيقها .. اجاب المختار : الا ان هذا الشقي مفلس وتحقيق زواجه سيحتاج الى بعض المال . فاجابه اهل المحلة : نحن مستعدون لدفع المال اللازم تبرعا .. واتفقوا مع المختار على هذه الخطة وتركوا له التنفيذ فذهب المختار الى الشقي "والمختار عادة مايكون من الشخصيات المحترمة وله اعتبار بين اهل المحلة وهم الذين اختاروه عادة ليكون مختارهم " قال المختار للشقي : لقدجئت اخبرك بان هناك شابا تقدم لابنة عمك ليتزوجها .. فوقف الشقي وصرخ : كيف يجرؤ احد ان يتزوج ابنة عمي وانا موجود . فاجابه المختار : هل تريد ان تبقى ابنة عمك عازبة يخاف الناس بالتقدم لزواجها وانت جالس لاتحرك ساكنا فلا يحق لك ان تؤذيها بهذا الشكل ولابد لك ان تتركها لترى طريق حياتها او تعلن رغبتك بالزواج منها .
قال الشقي :كيف ذلك وانا مفلس وعاطل وليس لي المال الذي يهييء لي اتمام الزواج .. قال له المختار :هذا ليس شأنك فاننا جميعا اهل المحلة نريد لك الخير وسنقوم بكل واجب في دعم زواجك .. سكت الشقي ونظر الى المختار ثم قال له : اذن اتزوج ابنة عمي .. وهكذا تم العرس والزواج وبعد عدة سنوات شوهد هذا الشقي يسير في اسواق المحلة وهو يحمل على رقبته طفله وعلى كتفه طفله الاخر ويقود ماشيا طفله الاكبر وكان هذا الطفل الذي يسير بجانب والده يحمل رغيفا من الخبز يأكل منه فتبعه احد الكلاب السائبة ليشاركه رغيفه وكل مرة يقفز الكلب على الرغيف وهو بيد الطفل لينتزعه منه والطفل يصرخ ويطلب نجدة والده فتلفت والد الطفل " الشقي المتقاعد " الى الكلب وصرخ به قائلا : اسمع لقد كنت شقيا سائبا ومستهترا اكثر منك وهكذا تراني الان .. انصحك ان تغرب عن وجهي والا فسأخبر المختار ليزوجك فيصبح حالك مثل حالي .
ورغم ذلك فقد كانت للاشقيائية مواقف وطنية في المهمات الخطيرة والتي تمس مصالح الشعب والوطن فكان الشقي يتصدر الثوار وقد شارك الاشقيائية في الكثير من الفعاليات والمواقف الوطنية حتى دفع البعض منهم حياته قربانا للدفاع عن حياض الوطن وخلال فترة الخمسينيات من القرن الماضي وبعد توسع نشاط الاحزاب السياسية وتكالبها على السلطة فسد الشقاوات وفقدوا كل مقوماتهم ومكارمهم الموروثة كما فسد كل شيء بالبلاد وكان انخراطهم بهذه الاحزاب فتح الطريق في وضع حد لنهايتهم خاصة بعد ان انتظمت الادارة الحكومية واستكملت كل مقوماتها واصبح الامر في ايدي ابناء الوطن فأخذ رجال السلطة يتعقبون هؤلاء الشقاوات الذين تحولوا الى ادات منفذة لعمليات التصفية الجسدية بين الاحزاب المتنافسة في الساحة السياسية حتى خمدت ريحهم وخمدت انفاسهم وان بقيت منهم اشباح او اشباه الشقاوات تتراءى بين الحين والاخر في الازقة والاحياء الشعبية خصوصا بعد عام 2003 حيث انتشرت الفوضى فبرز اشخاص من نوع اخر يحتمون باحزاب سياسية هم في كل الاحوال بعيدا بعدا كبيرا عن اهدافها وبرامجها لكنهم استندوا في تنفيذ اطماعهم على هذه الاحزاب فشرعوا بتنفيذ اغراضهم ضمن عصابات منظمة تارة يقومون بعمليات خطف واخذ الاتاوات من عوائل المخطوفين وتارة اخرى يقومون بعمليات ترويع للعوائل في المناطق السكنية اضافة الى عمليات الاحتيال والابتزاز الغير مبررة مستغلين ضعف السلطة في تنفيذ القانون على المسيئين ووضعهم تحت المساءلة القانونية حتى بات المواطن يشعر انه مهدد وعرضة للابتزاز في اي لحظة ويده مغلولة ومشلولة لايقدر على المواجهة خوفا من الفصل العشائري الذي بات هما جديدا يضاف الى هموم المواطن المثقف الذي يواصل حياته مستندا الى القول المصري " امشي جنب الحيط " اتقاء من شر يتربص به وكان الله في عون العباد