عراق ما بعد داعش ..(الحلقة الثالثة).. تأهيل العراق للدور الإقليمي الجديد

مع إعلان خروج أخر جندي أمريكي محتل أواخر العام 2011.. اعتبر العراق من قبل القابضين على السلطة إنه أصبح بلداً مستقلاً وذا سيادة.. لكن الحقيقة إن كل دول الجوار تنهش به.. وتسيًرهُ حسب ما تشاء برضا القائمين على الحكم أم بعدم رضاهم.. وللولايات المتحدة الأمريكية المساحة الأكبر في فرض إرادتها على الكتل السياسية.. فالسفارة الأمريكية.. هي صاحبة اليد الطولى والموجه.. بل الآمر للسياسة في العراق.. كما أعادت أمريكا قواعدها العسكرية.. تحت يافطة التدريب العسكري والاستشارة ..
وخلال دورتين انتخابيتين (2006 ـ 2010) تم إدارة العراق بشكل لا ينم عن تطبيق القوانين النافذة بشكل مهني ونزيه.. ولم تعرف العدالة طريقاً لها في العراق.. فقد شَرعَ رئيس مجلس الوزراء وحاشيته الى تأسيس منظومة قائمة على عقلية التسلط.. تعززها اندلاع الحرب الطائفية التي كانت تؤجج من قبل الإرهابيين.. ومن كل الكتل السياسية الحاكمة على حد سواء ..
ـ وكان قمع المواطنين يجري بطرق مبتكرة.. فكان يتم اعتقال وتعذيب المواطن البسيط على الشبهات.. وتشابه الأسماء.. والمخبر السري.. أو انه يسكن منطقة بعينها.. أو موظف بسيط يخطأ في اجتهاد.. بينما الحيتان الكبيرة من السراق والقتلة فلم يسجن منهم أحداً.. أو يحقق معه.. وتغلق ملفات فسادهم بجرة قلم.. أما عمليات خطف المواطنين وابتزاز عوائلهم ومن ثمَ قتلهم.. فقد أصبحت حالة اعتيادية.. فكانت تكتشف (4 ـ 5) جثث يومياً في بغداد لمجهولي الهوبة.. وهي حالة لا تقتصر على بغداد بل على معظم محافظات الوسط والجنوب ..
أما المجرمون والإرهابيون فيتم هروبهم أو تهريبهم من السجون المؤمنة تماماً.. وأمام أنظار الأجهزة الأمنية.. وجرت أكبر عمليات سطو مسلح وسرقة في وضح النهار.. لمحلات الصاغة والصيارفة.. والمصارف.. ورواتب الموظفين.. ومحلات وبيوت الاغنياء.. وبشكل متكرر.. لتسجل ضد مجهول.. كما كانت الحرائق شبه يومية تندلع في أقسام العقود في الوزارات والمؤسسات الحكومية.. لإحراق العقود الاصلية للوزارات.. تحت يافطة (تماس كهربائي) ..
ونهبت ثروات العراق.. وتجويع الشعب.. فأصبح العراق في ظل ولاية رئيس مجلس الوزراء الثانية يعج بالخراب والموت والإرهاب.. فيما ظهرت طبقة ممن لم يكونوا ليملكوا عقاراً واحداً حتى العام 2003.. ليصبحوا خلال سنوات قليلة من المليونيرة أو المليارديرين ..
ـ ولم يكن الفرقاء السياسيون على وئام.. فكانت كل الكتل بإستثاء كتلة المالكي في جبهة.. واتخذًت من سياسة الانسحابات من مجلس الوزراء ومجلس النواب.. سلوكاً لعرقلة أعمال الحكومة.. وعرقلة مشاريع القوانين كإسلوبٍ لإسقاط رئيس الوزراء ..
هذه الممارسات منحت رئيس الوزراء مساحة كبيرة لتشديد قبضته على السلطة.. وفي السيطرة على كل مؤسسات الدولة.. من خلال التعيينات للمناصب العليا بصيغة الوكالة (وكلاء الوزارات.. والدرجات الخاصة.. والمدراء العامون.. وقادة الجيش.. وغيرهم) ..
ـ كما أدت المناكفات بين كل الكتل السياسية الكبيرة من جهة.. ورئيس الوزراء وكتلته من جهة أخرى.. الى تعطيل عمل مجلس الوزراء.. وأنهت مبدأ التوازن والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.. لتصل الى القطيعة ..
ـ بالمقابل فإن كل الكتل السياسية ورئيس الوزراء وكتلته لم يضعوا مصلحة الوطن والشعب كأساس لحل أية مشكلة.. بل كانـت جميع الكتل بلا استثناء تحاول تعقيد المشاكل.. وخلق مشاكل جديدة.. فحدث الطلاق بين كل الكتل من جهة.. وبين المالكي والكثير من كتلته من جهة أخرى.. مما انعكسً سلباً على الوضع العام في البلاد.. فساهمت كل الكتل بلا استثناء في دمار العراق وخرابه.. واغتصاب داعش لثلث العراق.. ونتائج هذا الاغتصاب المأساوية ..
ـ كما جرت أكبر عمليات شراء الأصوات وتزوير الانتخابات النيابية لولاية ثالثة.. واتخاذ كل الإجراءات لتنصيب رئيس مجلس الوزراء زعيماً أوحداً.. بقوة المال والتهديد وإرهاب الآخر.. في توجه جديد لإقامة (دكتاتورية جديدة) ..
ـ بالمقابل اشترطت أمريكا استقالة المالكي من رئاسة الحكومة كشرط للمساهمة في محاربة داعش ودعم العراق.. سبقه رفض تام لولاية ثالثة للماكي من قبل الكتل الكردستانية.. والكتل الشيعية والسنية على حد سواء.. مما أفشل عملية التنصيب.. لتشكل حكومة من كل الكتل.. وفق برنامج حكومي.. قائم على التوافق.. وطريق معبد بالألغام.. بمعزل عن كتلة دولة القانون.. التي رضخت وساومت على القبول ..
وواجه العراق مخلفات التركة الثقيلة لصدام.. وتركة مرحلة ما بعد صدام.. وهي الأخطر في تاريخ العراق المعاصر.. فقد شرعنً :
ـ الفساد بكل أشكاله : عمولات.. تهريب النفط،.. غسيل أموال.. رشاوى.. بيع المناصب.. شهادات مزررة.. مشاريع وهمية.. الاستيلاء على عقارات الدولة.. وعلى عقارات قادة ومسؤولي النظام السابق.. وعلى مقرات حزب البعث.. لتسجل معظمها بأسماء قادة ومسؤولي الكتل الجديدة ..
ـ وتسلطً على العراق مجموعة من الأغبياء واللصوص يديرون معظم مؤسساته ومحافظاته.. وجيش من الفضائيين في كل مؤسسات الدولة (المدنية والعسكرية).. معززين بميليشيات وحمايات.. بعضها قتلة ومجرمين ..
ـ اغتصاب داعش ل (30%) من العراق (أرضاً.. ومياهً.. وسلاحاً.. ونفطاً.. وبنى تحتية.. ومواطنين.. وإدارة).. وحرب استنزاف كبرى طويلة الأمد في الحسابات التقليدية.. في أربع محافظات عراقية قابلة للتمدد ..
ـ وأكثر من ثلاثة ملايين نازح موزعين في كل مدن العراق قابلة للزيادة.. وتدمير شامل للبنى التحتية.. وأكثر من مليون شاب عراقي ترك العراق الى المجهول ..
ـ وظهور وتوسع بشكل كبير جداً للعشوائيات وبيوت الصفيح.. والعيش على القمامة.. وتضاعف بشكل مخيف في نسبة الفقر في العراق.. والعيش تحت خط الفقر.. وتزايد جرائم الاغتصاب.. وتجارة المخدرات.. وتجارة الأعضاء البشرية.. وتضاعفت نسب التسرب من المدارس بشكل لا يصدق ..
ـ ووصلت حالات تزوير الوثائق والشهادات الدراسية لدرجة لم تعد تعرف الوثائق المزورة من الصحيحة.. ولم تتخذ السلطتين التنفيذية والقضائية أية إجراءات رادعة تجاهها.. بل صدر تعميم من الحكومة السابقة بالتريث وعدم معاقبة المزورين.. فاستفحلت الحالة ..
ـ وأخيراَ في نهاية العام 2014 كانت الخزينة خاوية.. بل مدينة 15 مليار دولار لشركات النفط الأجنبية العاملة في العراق.. إضافة الى زيادة تخصيصات إقليم كردستان من خلال دفع رواتب قوات البيشمركة.. بل واستحواذ كردستان مؤخراً على نفط الإقليم ونفط كركوك.. وسيطرة الاقليم الفعلية على كل المناطق المتنازع عليها بقوة السلاح ..
(ملاحظة) : انتظرونا في الحلقة الرابعة.. (عراق ما بعد داعش .. الطريق الى التقسيم.. والحروب الداخلية) ..