تجربة ماوتسي تونغ في الصين

 

اكثر من خمسين سنة حكم الصين بنفسه اصله ينحدر من عائلة ميسورة من (هوفان) كان ابوه عصاميا عمل وعمل الى ان اثرى بعرق جبينه.. امه كانت امية وعندما زار قبر والديه بعد ان صار رئيسا صرح ماو بان امه كانت اقرب الى قلبه من ابيه وفي سن 14 زوجه قسرا من احدى اقاربه بقي معها (3) سنوات على الرغم من عدم رضاه الى انه فر في سن 17 الى المدينة هاربا من القرية ومن تقاليدها اتصل باتحاد الطلبة في الصين هناك ثم اصبح في عام 1890 معلما في سن 24 حينئذ توفيت امه ثم اصبح مساعدا في مكتبة بكين كان يأمل دائما ان يكون قريبا من الجامعة التي لم يستطع اكمالها في صدر شبابه وبعد فترة اصبح ماركسيا صلبا ويحلم عن طريقها تغيير مستقبل وطنه.. في عمر 30 سنة خصصت جائزة بعدة ملايين من الدولارات ثمنا لرأسه الذي اصبح من اشهر المطلوبين للدولة في الصين وفي العشرينات من القرن الذي مضى. لكن شعبيته كانت في ازدياد.. تدعمها في ذلك روحه المرحة وقربها من الجماهير الواسعة التي احبته بسبب بساطته المفرطة. عام 1934 طوقت قوات شنكاي شنك معسكر الشيوعيين بقيادة ماو ثم اعلن ماو القيام بمسيرته التاريخية الى شانفكسي التي تعتبر أطول واشهر مسيرة عسكرية في التاريخ لقطع (6000) كيلومتر من مئة الف جندي من أنصاره في المسيرة بقي منهم (20) الف جندي عند الوصول الى شانفكسي وخلال المسيرة لم يتوقف عن التثقيف فأخذ يكتب الشعر ويؤلف الأغاني الشعبية وينشد المقالات التي تؤكد على انتصار الثورة.. كان شديدا مع ضباط الثورة لكنه كان رقيقا جدا مع المرأة تزوج أربعة مرات في حياته واخرهن جان جنك التي بقيت معه الى اخر أيام عمره لكنه كما تقول لم يكن مؤتمنا كزوج لعوب. في 1949 دخلت قوات ماو الثورية الى بكين وعملت استعراضا عسكريا كبيرا واعلن ماو خلالها تأسيس جمهورية الصين الشعبية ثم ليذهب الاتحاد السوفيتي في اول زيارة له خارج الصين لكن طريقة استقبال ستالين له وطريقة تعامله مع الثورة الجديدة بل وغرور ستالين ترك انطباعا سيئا بل ومؤلما في نفس ماو الذي قرر عزل نفسه وبلاده عن مواكبة الاتحاد السوفيتي ومشروعاته السياسية وتصوراته وفي الخمسينات من القرن الماضي وبعد انتصار ثورة الصين حصلت انتهاكات عديدة لحقوق الانسان في الصين وصار الولاء للشخص اكثر منه للوطن.. فحصلت انتقادات عديدة له ولنظامه الذي اخذ يتشدد تماما كلما ازداد سيطرة على مرافق الإدارة والحياة والسياسة في الصين فظهرت ردود فعل قوية جدا من قبل الادباء والمثقفين ورجال الفن والكلمة على سياساته المتوجهة بسرعة نحو الدكتاتورية المطلقة وعبادة الشخصية التي كان من نتائجها قتل مئات الألوف من الصينيين وزج خمسة اضعاف تلك الاعداد في السجون والمعتقلات ومنافي الابعاد وعندما تعاظم امر عداء المثقفين لماو ولنظامه مما دعا ماو الى مؤتمر عام للمثقفين والادباء من كل الصين استمر هذا المؤتمر الذي كان يحضره شخصيا أسابيع عدة ومن خلاله اطلق عبارته الشهيرة (دع مئة وردة تتفتح) فاستمع كثيرا ودون ملاحظات اكثر مقررا الاستفادة منها في حكم الصين من الفترة القادمة لكنه بعد ذلك انقلب على هذا الانفتاح مباشرة وزج البارزين من الذين أعطوا ملاحظاتهم مرة أخرى في غياهب سجونه حتى بات لا يطيق أي امر او فكر يخالف فكره او رأيه مستفيدا من التهريج والتطبيل والمديح الزائد التي كانت تنطلق من حناجر الانتهازيين والنفعيين دون ان يكلفوا انفسهم عناء اعمال التفكير فيما ستصير اليه الصين في ظل دكتاتورية الشخص الواحد والفكر الواحد واللباس الواحد صحيح ان شخصيته كانت ملهمة لكثير من شرائح الشعب الصيني وصحيح ان محمد حسنين هيكل يقول في كتابه (احاديث من جنوب اسيا) ان سكن ماوتسغ وعائلته في القصر الامبراطوري التاريخي الكبير البالغ نحو عشرين هكتارا من المرافق والحدائق المنشآت لكن ماوتسي تونغ وأهله سكنوا في مشتمل صغير متواضع جدا كان في الأساس مأوى لسائق عربة الإمبراطورية السابق وعائلته وصحيح انه لم يكن يعتني بمظهره بل ظل مرتديا لبدلته (السفاري) الخضراء الى ان مات في 8/9/1983 الا انه – خاصة في اخريات أيام عمره – لم يكن ليصغي الى احد وصحيح ان الإنتاج الزراعي في هذه البلاد تضاعف عدة مرات منه قبل الثورة وصحيح انه افلح في بناء قاعدة صناعية واقتصادية كبيرة الا ان حقوق الانسان وكرامة من يعارضونه الرأي كانتا في أسوأ حالاتها أيام حكمه ومع كل ذلك يبقى الرجل احد كبار رجالات التاريخ الصيني ومن شخصيات القرن العشرين البارزة بل ومن اهم انصار قضية العرب المركزية (فلسطين) بقي ان نقول انه غير (الماركسيزم) التي اعتنقها في فجر شبابه الى (ماوتسي تونكزم) كونه اكسب الاشتراكية العلمية ثوبا محليا خاصا مكيفا لها بحسب رايه لاوضاع الصين الاقتصادية والاجتماعية الخاصة