خوفاً من سُكرة لا تذهب وفكرة لا تجيء!

 

أسوأ سيناريو يمكن تخيّله لمرحلة ما بعد الإعلان عن النتائج النهائية لانتخابات مجالس المحافظات أن ينتشي الفائزون فيها، وهم بالتأكيد القوى المستحوذة على السلطة الآن نفسها، بخمرة الفوز وأن لا تذهب عنهم السكرة ولا تحلّ الفكرة.
والفكرة الأساس التي نخشى ألاّ تستقر في أذهان الفائزين "الكبار" تتمحور حول دلالات الاحتجاج الشعبي على النظام القائم والقوى المستحوذة عليه، وهو الاحتجاج الذي عّبر عن نفسه على نحو جليّ بمقاطعة صناديق الاقتراع بنسبة عالية.
يرتكب الفائزون خطأ كبيراً إذا ما نظروا الى الأمر من زاوية فوزهم وحسب، فهذا الفوز علاوة على نسبيته فأنه وقتي، ذلك أن المقاطعة الكبيرة تحمل بين طياتها نذر الرفض الشعبي للعملية السياسية برمتها، وهذا سيؤدي الى عواقب وخيمة فيما يتعلق بمستقبل البلاد، وبخاصة على صعيد بناء النظام الديمقراطي.
العملية السياسية تترصدها وتتربص بها منذ البداية قوى النظام السابق والمنظمات السلفية المتطرفة، وبخاصة القاعدة، وبعض الجيران وبخاصة إيران، والخشية الآن أن ينظر الفائزون الى فوزهم النسبي بوصفه ترخيصاً بالاستمرار في نهجهم وسياساتهم المرفوضة في الواقع من أغلبية الشعب العراقي، وهذا ما ظهر في مقاطعة أكثر من نصف الناخبين للعملية الانتخابية الأخيرة. والحكمة والواقعية تفرضان أن يفكر الفائزون، وبالذات كبارهم الذين سيعودون الى الاستحواذ على السلطة، بأن العملية برمتها تواجه الآن خطراً ماحقاً، فقوى النظام السابق والقاعدة، سيعتبرون أن المقاطعين بيئة مناسبة للتجنيد لصالحهم والعمل ضد النظام القائم. واذا كانت الاغلبية قد اتخذت موقفا سلبياً بمقاطعة انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة فأنها، أو قسماً كبيراً منها، قد تُغيّر موقفها تدريجياً، مع استمرار الفشل في إدارة الدولة، وتتجه الى التصويت لصالح مرشحين تقدمهم وتدعمهم القوى المناهضة للعملية السياسية، فانسداد الأفق السياسي يمكن أن يدفع البعض باتجاه الخيارات الخاطئة.
نتائج الانتخابات الأخيرة أظهرت شقوقاً وثغرات كبيرة في العملية السياسية، فما من هوة أكبر وأعمق من عزوف الناس عن العملية الانتخابية. وهذه الشقوق والثغرات سيصعب سدها وردمها اذا ما احتفظ الحاكمون بعقلية الهيمنة والاستئثار وتهميش الآخرين.

هل يدرك هذا والمخاطر الكامنة المنتشون الآن بخمرة "فوزهم" الانتخابي؟