العراق بين الملك والرئيس وعلي الوردي |
بعد ما يقرب من قرن وبالضبط 95 سنة من تأسيس الدولة العراقية، ما يزال الحال الذي تحدث عنه مليك العراق الأول، ومفكره الكبير عالم الاجتماع علي الوردي وإجابات أحد رؤسائه، وما أنتجته حضارة هذا البلد اليوم في خارطة مغبرة ملونة بالدماء والإرهاب والفقر والضياع، فحينما نقرأ لعالم الاجتماع العراقي الكبير علي الوردي وهو يصف الشخصية العراقية بأنها:
( شخصية ازدواجية تحمل قيما متناقضة هي قيم البداوة وقيم الحضارة وأثبت أن لجغرافيا العراق أثر في تكوين الشخصية العراقية فهو بسبب وجود النهرين، بلد يسمح ببناء حضارة، ولكن قربه من الصحراء العربية جعل منه عرضة لهجرات كبيرة وكثيرة عبر التاريخ آخرها قبل 250 سنة تقريبا ). يصاب المرء بالذهول أو ربما يتهمه بالمبالغة والتعميم، خاصة وإذا ما استرسل في القراءة حتى يصل إلى توصيف لأدق مكنونات الشخصية العراقية نفسيا وسوسيولوجيا حيث يقول الوردي:
( أن شخصية الفرد العراقي تتسم بالازدواجية، فنجد أن العراقي المسلم هو من أشدّ الناس غضباً على من يفطر برمضان علنا ولكنه هو من أكثرهم إفطارا وأن العراقي، سامحه الله، أكثر من غيره هياماً بالمثل العليا ودعوة إليها في خطاباته وكتاباته، ولكنه في الوقت نفسه من أكثر الناس انحرافا عن هذه المثل في واقع حياته، وأنه أقل الناس تمسكا بالدين، وأكثرهم انغماسا في النزاع بين المذاهب الدينية، فتراه ملحدا من ناحية وطائفيا من ناحية أخرى ). وإذا ما عدنا إلى الأيام الأولى لمباشرة الملك فيصل الأول لمهامه على مملكة تأسست بتوجيه من بريطانيا وفرنسا، عقب اتفاقيتهما حول تقاسم ارث إمبراطورية آل عثمان عام 1916م، نراه متشائما ومحبطا إزاء العرش الذي منحه اياه البريطانيون على مكونات بشرية لم ترتق إلى مستوى شعب كما يقول:
( لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سمّاعون للسوء ميالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتفاض على أي حكومة كانت… ).
وبعد ما يقرب من أربعين عاما على تصريح ملك البلاد العراقية الأول، ومحاولات كثيرة لإرساء مفهوم للمواطنة يجمع كل تلك المكونات تحت سقف هذا الكيان، دخل العراق في دهاليز الدكتاتورية والتناحر الدموي بين فعالياته السياسية ومكوناته بعد انقلاب 1958م وما تلاه من عمليات سرقة بالقوة للنظام السياسي الذي شرعن أولى قوانينه حزب البعث والحرس القومي. لقد كانت واجهة البعثيين بعد انقلابهم على الزعيم قاسم، رفيقه وكاتم أسراره عبد السلام عارف، الذي عبر بدقة عن الانتهازية السياسية وهو أمام جمال عبد الناصر في القاهرة حينما سأله عن حجم وعدد الشيوعيين في العراق ؟
فأجاب 8 ملايين شيوعي!
تعجب عبد الناصر وقال له إذن كم هو عدد القوميين ؟ فأجابه (الرئيس المؤمن ) وهكذا كانوا يسمونه في حينها:
8 ملايين قومي، وما عدد الإسلاميين: فقال 8 ملايين أسلامي!؟
غضب عبد الناصر وألقى القلم وقال: أي ده يا ريس أمال عدد العراقيين كلهم كام؟ أجابه عارف ضاحكا:
( 8 ملايين يا فخامة الرئيس، بس العراقيين تريدهم شيوعيين يصيرون وتريدهم قوميين يصيرون، وتريدهم رجعيين يصيرون، وتريدهم إسلاميين يصيرون، العراقي كل شيْ: عالم دين، عسكري، سياسي، اقتصادي، علماني. ملحد، كل شيْ يفهم… !)
وبعد سنين سود وثقيلة أزاح الأمريكان وحلفاؤهم النظام الذي تحجج العراقيون بأنه كاتم أنفاسهم ومشوه هوياتهم ومدمر بلادهم وعائق تطورهم وحضارتهم!
فماذا حصل إذن لشعب يشبه الطماطة في وظيفته، منذ 2003 وحتى يومنا هذا ومن الموصل إلى البصرة؟
اترك الإجابة لأكثر من سبعة ملايين نازح في الداخل والخارج، وللفقراء من بغداد إلى البصرة، ضحايا المفخخات والفساد، لأنهم يشكلون أغلبية الأهالي!
|