چـيكارة ( هور وبريمر وحرب )

 

عدا محطات القطار فأن دخان السيكارة لن يشبه السُحب وهي تمضي لتمطرَ على أرض نحبها ونود المكوث بدرابين مدنها . أرض عند أول مفترق لسكة الحنين تكون هي الإشارة.هي أمكنة تسألنا باشتياق إنا لها عشاق ودراويش وثوار ماويين ، تمازحنا بجمر دمعتها فتُسكننا بئر يوسف نسمة الهواء فيه قمصاننا التي مزقها ذئب السفر .وكنت هناك يوم كان لنا بيت قصب وسهرات على اديم ماء أخضر ورائحة الروث بعض اقدار رزقنا نعيش على أمل أن يعود المكان سلالة سومرية أو حانة للونين يقول فيه ناصر حكيم كل الذي عجزت الف شبعاد عن عزفه في اقبية خلود الوهم الجنائزي المظلم بسراديب مقبرة أور المقدسة .وأن لم يتحول مثلما نشتهي ونريد لُذنا بأغنية لنجاة تقول : أيظن أني لعبة بيديه .رسائلنا التي كنا نكتبها لنساء يقفن الآن في مطابخ جنون حنين القصيدة تشم كل واحدة أبخرة اباريق ورد لسان الثور حتى تتخلص من صداع العشق القديم وشهية رسائلنا الغرامية ، والآن أنا مبتعد مليون فرسخ عن مدرستنا ،

ألوك دخان السكائر يسكب مطر الانتظار على رمش الرصيف وجوه مسافرين لا اعرفهم .من اعرفه هنا وجه أبي البعيد ، وجه أمي ، وجه شغاتي عامل الخدمة في مدرستنا وزميله ريكان والتلاميذ الذين بعضهم مات في نذالة الحروب وآخرون يسرحون مع الجواميس في قيض آب ، والبعض هاجر في داخل جسد فوهة المدفع بعد أن جُفف الماء هنا وصارت القرية ارض حماد وملح وقصب يابس لا يقترب منه حتى البعوض.دخان السيجارة مقعد في طائرة ، كرسي في قطار ، نافذة في حافلة خمسين راكب تذهب بك من كولونيا الى باريس والطريق الذي يستغرق سبع ساعات تستعيد فيه المكان الذي تاه في غياب الزمان وأتاه الحاكم المدني ( بول بريمر ) يتجول ويتنزه فيه بشختورة يدفعها حفيد ريكان من أبنه الذي سرقته جبهات بحيرة الأسماك ونهر جاسم وديزفول .وأنت يتجول فيك دمع الطريق وتلك الليالي التي كان بها النجم يسعل عطر ومذياع يقول كل شيء ، من نشرة الأخبار الى تأوهات صوت مذيعة اذاعة بغداد في برنامج اسمه ( همسات آخر الليل ).كان شغاتي

يقول : القرية لا تصلح قبورا للمعلمين ، أذهبوا الى راحةٍ اخرى تليق بصبركم هذا ، فقد تعب القصب من تأملاتكم قبل أن تتعبوا أنتم من تأملاته .أرد : أنهُ مشترك الرزق ، فنحن لم نولد قرب الواح الورد في حديقة بضواحي لندن ، ولم نولد في جنة بجزر الكاريبي ، لم نولد حتى في بيت ثري بمنطقة المنصور في بغداد ، لقد ولدنا وجوازات السفر الى هنا مختومة في ارحام امهاتنا .يقول شغاتي : أرى ليلكم الطويل وأسمع أغانيه وأحزن.؟أقول : أحزن مثل حزننا ، ولكن ليس بذاك المعنى الذي يقوله امرؤ القيس : أنا غريبان ها انا ..وكل غريب للغريب صديق.يرد : ليس مثله ، فنحن قدر يصنعه المكان ولقمة العيش وكل شيء.الآن على رصيف القطار ودخان السيجارة يسرح بمواشي ذكريات المكان البعيد أقول للخالد في الحلم وقد توفي الآن واهمس لطيفه : نحن لسنا قدر كل شيء ، ولو كنا كذلك يا شغاتي :لما كنت انا هنا وانت هناك.