تميزت مرحلة خلافة الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب ( 599 - 661 م ) أبن عم الرسول محمد ( ص) وزوج أبنته بعدم الاستقرار السياسي عندما بويع للخلافة وأتخذ من الكوفة عاصمة للخلافة الإسلامية سنة 656 م خلال فترة حكمه القصيرة البالغة خمس سنوات وثلاثة أشهر .
وقد أتسمت فترة حكمه تلك في المحافظة على المال العام بعدة إصلاحات إدارية واقتصادية , إدارياً قام بتنحية معظم ولاة الأمصار والمسئولين عن إدارة الخلافة ( الحاشية ) كونهم المنتفعين من الحكم أكثر من غيرهم , أما اقتصادياً فقد قام ( بإرجاع الحقوق المسلوبة من أراضي وعقارات إلى أصحابها الشرعيين والتي تم سلبها سابقاً , وإصدار قرارات تلغي التصنيف الطبقي بين الناس , فالكل مشمول من بيت المال يأخذ حقه بما يستحق , عندما وضع اليد على جميع الأموال والنفائس التي كانت بحوزة أقرباء الحكام ومريديهم آنذاك وإرجاعها لبيت المال كما قام بإعادة هيكلة بيت المال المتمثل بــــ (الخزينة أو الميزانية حالياً) وفق آلية جديدة وسليمة .
حينها وضع الخليفة الرابع سياسة جادة في الإصلاح الإداري متمثلة بحسن الاختيار من الولاة على الأمصار وعمال الخراج والجزية عندما وضع نظام رقابي فعال لمراقبة هؤلاء العمال يسمى آنذاك بـــ (الحسبة) ويسمى حالياً في العراق - ديوان الرقابة المالية الاتحادي – وفي نفس الوقت يمارس الرقابة الإدارية والمالية في المناطق التي تخضع لرقابته مباشرةً ليس فقط على أموال المسلمين بل كان يمارس الأشراف على المعاملات الاقتصادية المتمثلة بالتواجد المستمر لأماكن السلع والبضائع في الأسواق لمراقبة الموازين والمكاييل , وكان حريصاً وعادلاً وحازماً حتى مع أولاده ومع أخوته وأقرب المقربين إليه , وحادثة أخيه - عقيل - خير دليل على عدالته وحزمه .. وموجزها( طلب أخيه مساعدة من بيت المال , حينها دعا الخليفة أن يحمى له جمرة وتكوى بها يده) مبيناً لنا ذلك الموقف عبرة ودرس للعدالة والمساواة بين الرعية .
ومن أجل تطبيق العدالة بين الجميع أتبع مجموعة من الإجراءات للحفاظ على المال العام منها : -
1- نظام الرقابة الخفية ( نظام العيون ) : أختار عمال بهذا المجال ليتابعوا تصرفات الولاة على الأمصار في ولاياتهم حيث كانوا يكتبون أليه مباشرةً وبشكل سري كونه الوحيد الذي يعرفهم عن كافة الحالات الإيجابية والسلبية التي تجري في مدنهم وكان على دراية تامة بما يجري في الولايات الإسلامية التابعة لخلافته.
2- الرقابة الإدارية : كان يرسل موظفين مختصين (مفتشين) يثق بهم إلى الأمصار المهمة لرقابة إدارة الولاة والمسئولين على أموال المسلمين وعمل الخراج وخاصة الغنية بأعمال الزراعة , ومن ناحية أخرى كان يستدعي هؤلاء الولاة أو المسئولين للحضور إلى الكوفة لمراجعة تصرفاتهم المالية وتدقيقها بشكل أصولي .
3- الرقابة الشعبية : أعتمد مجموعة وسائل وطرق من أجل إحكام الرقابة على ولاة الأمصار الإسلامية من خلال مخاطبته المباشرة مع الناس مثل الخطب التي يبين فيها أن الرعية هم الرقيب على الولاة أو العاملين عليها , ومن ناحية أخرى كان يلزم العاملين لديه بقراءة أوامر التعيين للولاة على الأمصار , والشكاوى المقدمة من بعض الناس ضد بعض الولاة على الأمصار القادمين للكوفة وعند أثبات تقصيرهم يقوم بعزلهم ومحاسبتهم.