لن اقول وداعا

في لحظات يسترجع الفرد بعض الذكريات فيهيم في تصفحها,وما مر كالبرق على ذاكرتي، انه في عام 2000 كتبت قصيدة باللغة الانكليزية ونشرت في صحافتنا الاجنبية وكان عنوانها(وداعا للسلام), ومر على ذاكرتي كلمات الشيخ زايد شيخ دولة الامارات العربية المتحدة رحمه الله يوم خاطب شعبه قائلا ساجعل الامارات كالبصرة!!!!واعادني الى الذكريات حديث الاستاذ الدكتور عدنان الباجه جي في برنامج شاهد على العصر حين قال, في عام 1969 كانت دبي تضم عمارة واحدة فقط!!وانا
اسير في عاصمة الدنيا بغداد حيث ولدت (وبغداد فيها للمشاة دروب) وجدت نفسي شيخا(قد حنى الدهر ظهره) وبدأ يتفقد كل شبر من بغداد مدينةالسلام مخاطبا اياها بالكلمات الاتية: وداعا للسلام,وداعا لبغداد الشعر والهيام, وداعا لشهريار وشهرزاد والاحلام, وداعا لـ(منارة المجد والخلود )وداعا لعاصمة الدولة العباسية عاصمة الدنيا,وداعا لمصطفى جواد وجلال
الحنفي والشيخ احمد الوائلي, وداعا لشارع الرشيد قلب بغداد النابض وداعا
 لشارع السراي وساعة القشلة وداعا لشورجة بغداد اذ يجتمع اهل العراق
بكل اطيافهم,وداعا لانفاق بغداد, وداعا لحدائق بغداد وساحة النصر وساعتها الارضية وداعا للوحة الاخبار في ساحة التحرير وداعا لساحةالعوينة والشيخلية ووثبة الثورة والاباء,وداعا لجلسات العوائل العراقية على ضفتي دجلة الخير و(ام البساتين)وداعا لليالي الكريعات والاعظميةوالكاظمية والعطيفية وداعا لشارع السعدون الساهر حتى الصباح وداعا
للجواهري وصوره الشعرية وداعا للرصافي وجرأته وفضحه للبلاط(ابلاط
ام.....)وداعا لبحر العلوم(واين حقي) وحق الشعب المغلوب على امره وداعا للملا عبود الكرخي و(المجرشة). لقد رحل الجمال عنك يابغداد.وداعا لمصلحة نقل الركاب (وباصاتها) الحمراء التي تجوب شوارع بغداد ليل نهار حتى انني كنت اعرف الوقت ليلا من مرور اخر(باص)للمصلحة الساعة الحادية عشرة وخمسين دقيقة في محلتي, وداعا لمواعيد انطلاق وعودة(الباصات)والتي كانت معلقة في الساحات العامة ومنها التحرير والشهداء والميدان والاندلس وقريش,وداعا للامان والامانة التي كانت مصلحة نقل الركاب توفرها وداعا لاجور النقل الزهيدة
(10 فلوس و15 فلسا).وداعا لشوارع بغداد الواسعة والمبلطة والمخططة والناعمة كجلد الافعى حتى ان احد الخبراء الاجانب اخبرني في منتصف الثمانينيات ان شوارع بغداد تضاهي شوارع الدول الاوربية.وداعا للشوارع
المخططة للمركبات والمشاة وداعا للجسور وانفاق المشاة وداعا للشوارع المتوهجة بالمصابيح الصفراء. وداعا لفقيدتنا وحبيبتنا الكهرباء فبدونها يخيم علينا داء ليس له دواء. وداعا للهاتف الارضي الذي حزن على الكهرباء فمات من الحزن. لقد رحل الجميع عنا.وداعا لمنشأتنا الجبارة وداعا لحطين ونصر والاسكندرية واللطيفية والمثنى.وداعا لمعمل السكر في الموصل وداعا لمعمل السكر في ميسان.وداعا لمعامل التعليب في كربلاء الحسين(ع).وداعا لمعامل الحياكة في الكوت.وداعا لمعمل البطاريات في الوزيرية وداعا لمعمل الاطارات في
الديوانية وداعا لمعمل المصابيح في التاجي.وداعا لدائرة البريد والبرق اذ كانت الظروف والطرود تصلني بالعشرات اسبوعيا يحملها ساعي البريد على دراجته الهوائية.وداعا للاعبينا الابطال الذين كان همهم رفع اسم العراق فكانوا جنودا شجعان وهاهي صورة السد العالي المرحوم(عبد كاظم) وقد فج رأسه فضمد واستمر باللعب في مباراة العراق واستراليا في سدني.وهاهو(كوركيس اسماعيل)طريحا مجروحا في ملعب بانكوك في تايلند ثم ينهض ليكمل المشوار رغم جرحه وهاهم الابطال(حسن بلة والبرت خوشابا وجبار رشك و نوري ذياب و صاحب خزعل و مظفر نوري و علي الكيار و خليل شياع و خضير زلاطة و قاسم محمود ) و غيرهم من الابطال  الذين لم يبحثوا عن جاه و مال بل بحثوا و ضحوا لرفع اسم العراق . وداعا لكلمة رجاءا و عفوا و شكرا و من فضلك و كلماتنا البغدادية (اغاتي ، بدون زحمة، عيوني و الف شكر) لقد اختفت جميعها و حلت محلها كلمات دخيلة ممذوقة . وداعا لـ(قم للمعلم) فقد حلت محلها (طلقة صغيرة كافية عليك). وداعا لكلمة احد وزراء التعليم العالي و هو يخبرني (درجة واحدة محد يجبرك تنطيها انت صاحب القرار). وداعا للشهادات الحقيقية وداعا للقانون فالقانون يطبق على الفقراء فقط اما الاقوياء فالقانون يُفصل لهم تفصيلا فلهم التزوير و التقدير حتى انهم يفصلون و يقدرون رواتبهم بانفسهم و (القابض على دينه كالقابض على جمرة من نار). لم يبق لي شئ في وطني لكنني لن ارحل فانا ابن بغداد انا ابن العراق انا ابن القبب الذهبية المقدسة انا ابن الكاظمية و الاعظمية انا ابن العوينة و الشيخلية انا ابن الطارمية و الراشدية انا ابن كل ارض عراقية انا ابن الشرفاء من علية القوم و لن اقول وداعا بل سأحول العراق مع الشرفاء من ابناء شعبي الى دولة تشبه دولة الامارات و رحم الله الشيخ زايد باني و مؤسس الامارات ترليون مرة.