قد يطول بنا المقام في التعرف على دوافع التشكيك بوطنية المواطنين العربي، ودوافع الحملات التعسفية، التي باتت تهددنا في شرق الأرض وغربها، وتستهدف تشويه هويتنا الوطنية عن طريق التشكيك بأصولنا وجذورنا وانتماءاتنا، لكننا سنختزل الطريق بجملة واحدة لنضع اليد على موضع الجرح. فنقول: إن حلبات السيرك السياسي هي التي جلبت لنا أعاصير الدمار والخراب.
ربما يظن البعض إن هذه الحملات اقتصرت على بلد بعينه، أو إنها تركزت على شريحة من دون بقية الشرائح، لكنها أوسع بكثير مما نظن، فهي موجودة في مصر والجزائر والسعودية والإمارات وقطر والعراق واليمن، بل موجودة في كل بقعة من بقاع الوطن العربي.
فالهجمة التي شنها النائب (طه اللهيبي) ضد سكان جنوب العراق، كانت متوازية تماماً مع حملات الإبادة التي نفذتها التنظيمات الظلامية ضد القبائل المسيحية والأيزيدية في الموصل، ومتناظرة تماما مع الحملة التي شنها الدكتور (طارق الحبيب) ضد أبناء المدن السعودية الواقعة جنوب المملكة وشمالها، وجاءت متطابقة تماما مع الحملات التي طعنت بوطنية الأقباط في مصر، أو التي طعنت بوطنية الأمازيغ في الجزائر، وحرمت قبائل (البدون) من أبسط استحقاقاتهم الإنسانية في قطر والإمارات، وكل القصة وما فيها إن تلك الحملات البغيضة، انطلقت لتغرس بذور الحقد والكراهية بين أبناء الوطن الواحد، وتدعو لإشاعة الفرقة والتمزق، ويمكننا الجزم أنها تريد إسقاط الشرعية عن شرائح كثيرة من المواطنين، فالحملات التي تستهدفنا كلنا لا علاقة لها بعلم الأجناس، ولا بالأنساب والأصول والأعراق، وإنما تخضع لنزعات السياسيين وتوجهاتهم الضيقة.
قبل بضعة سويعات، وبينما كنت منشغلا بكتابة هذا الموضوع، تناقلت وكالات الأنباء خبراً مفاده: إن الحكومة البحرينية أسقطت الجنسية عن المواطن البحريني (عيسى أحمد قاسم) لمعارضته الصريحة لنظام الحكم في المنامة.
سبق لنا أن عشنا مع هذه الممارسات التعسفية الطائشة، ولسنا مغالين إذا قلنا إن معظم الأنظمة العربية الحاكمة، اشتركت بطريقة أو بأخرى في أساليب التهجير القسري بذرائع التبعية لبلدان مجاورة، فقد أقدم العراق على تهجير الناس بتهمة التبعية الإيرانية، وأقدمت قطر على تهجير أبناء قبيلة (الغفران) بتهمة التبعية السعودية، وتنوعت فصول المآسي التي يواجهها العربي في وطنه، فمن القصف والقتل والاعتقال، إلى واقع أشد إيلاماً من سوابقه، إلا وهو التهجير داخل الوطن الواحد، من مقاطعة إلى مقاطعة، ومن مدينة إلى أخرى، ومن مخيم إلى مخيم.
ختاماً نقول: لقد تزايدت وتيرة الاضطرابات الداخلية على نحو غير مسبوق في العواصم العربية، فكل قطر من الأقطار فيه ما يكفيه من النزاعات الداخلية، التي ضربت وحدته الوطنية في الصميم، وأصابت استقراره بضربات قوية، انعكست على المواطن البسيط. والحديث ذو شجون.
|