الأمية الحضارية عند العرب

 

يعتصر الفؤاد حزناً حين ابني في ذهني مقارنات مابين حاضر كالح فيه الاوطان تُباد وبين ماضي مزدهر بنى حضارة رائدة بين الحضارات ،انه لحقاً مجد عظيم مسلم عربي وعراقي من مواليد مدينة البصرة رائد علم البصريات العالم الحسن ابن الهيثم  أن يحل ضيفاً في المحافل الدولية بعد وفاته بالف سنة بمناسبة اعلان  منظمة اليونسكو عام 2015  السنة العالمية للضوء والتكنلوجيا المرتبطة به ، فلم يجد منظمو ذلك الحدث عالماً يفوق في منجزاته العالم العربي ابن الهيثم  ليكون أيقونة ذلك الحدث، ونظمت بالمناسبة العديد من الفعاليات العلمية والثقافية والمعارض التفاعلية حول مكانة الضوء والتكنولوجيات المرتبطة به في حياة الانسان وبناء الحضارة في العصر الحديث ،ودشن باليوم الاول من المؤتمر العلمي بالتعاون مع منظمة ألف اختراع واختراع″  معرضاً تحت عنوان (تسخير العصر الذهبي للعلوم في الحضارة الإسلامية  لصالح مجتمعات المعرفة) بهدف تسليط الأضواء على الإنجازات التي قدمها العلماء المسلمون في ميادين العلم والثقافة والاكتشافات المبهرة والتي فتحت المجال للنهضة الحديثة، ويأتي الإعلان  متزامناً مع مرور الف سنة على تأليف العالم العربي المسلم ابن الهيثم كتاب (المناظير) الذي يعد منجزه الأهم في علم الرؤية والبصريات وهو الكتاب المرجعي المؤسّس في علم البصريّات بأجزائه السبعة، وقد كان له أثر كبير في معارف الغربيين وظلوا يعتمدون عليه لعدة قرون، وتمت ترجمته إلى اللاتينية مرات عديدة في القرون الوسطى ،وكانت لهذه الترجمة عظيم الأثر على العلوم الغربية  التي طورت التقنيات الضوئية وحققت ثورة في  شتى المجالات من خلال تطبيقاتها في مجال الطب والاتصالات والترفيه والثقافة . يقول عالم الفيزياء تومسون  مكتشف الإلكترون (إن انتعاش العلم في العالم الغربي نشأ بسبب تأثر شعوب غربي أوربا بالمعرفة العلمية العربية وبسبب الترجمة السريعة لمؤلفات المسلمين في حقل العلوم ونقلها من العربية إلى اللاتينية لغة التعليم الدولية آنذاك)، لقد نجح العالم الغربي في إدارة عملية التفاعل الحضاري في تلك العقود ونقل العلوم المفيدة وترجمتها ليكون نتاج ذلك التفاعل التطور الكبير الذي وصل اليه الغرب إبتدأً من عصر النهضة الى عصر الحداثة ومن ثم عصر ما بعد الحداثة الذي لا تهدأ تطوراته ونعيش وقائعه اليوم .اما نحن احفاد الجيل العظيم من العلماء والمخترعين ضآلين

في ظلام حضاري دامس نعاني من أمية حضارية غير قادرين على مواكبة معطيات العصر العلمية والتكنولوجية والفكرية والأيدلوجية والتفاعل مع الحضارة الغربية بعقلية دينامية منطلقة من ذات تعتز بذاتها وحضارتها الاسلامية  قادرة على فهم المتغيرات الجديدة وتوظيفها بشكل إبداعي فعال ونقل العلوم المفيدة وترجمتها واقتباس هذه النجاحات وتطبيقها وتوطينها في بلادنا فلا بد من تصاعد وتيرة التفاعل الحضاري المثمر والبناء لتحقيق النهضة الحضارية من جديد وتجاوز أميتنا الحضارية التي نعانيها في مختلف أنواعها فأميتنا غير مقتصرة  على معطيات العصر العلمية والتكنولوجية فحسب، فأن التطبيق العملي في سماحة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم مع غير المسلمين في المجتمع الاسلامي من اعتراف وبر وعدل اهم ما تميزت به الحضارة الاسلامية ، وما نشهده من سفك الدماء والاموال والأعراض وعدم الاعتراف بالاخر ماهي الا مظاهر من مظاهر الأمية العقائدية .وان يتميز عهداً برخاء اقتصادي حتى لا يجدون من يأخذ زكاتهم  بسبب الرفاهية الاقتصادية النابعة من سياسة التزمت بمبدأ العدل ورد المظالم وعزل الولادة والحكام الظالمين بعهد عمر بن عبد العزيز الوجه المشرق من الحضارة الاسلامية وبالمقابل تجد  اليوم جيوش من النازحين  في المخيمات وارتفاع نسبة الفقر في اوطاننا فتلك هي الأمية السياسية والاقتصادية . وفي الأمية المعلوماتية وعلوم الاتصال الحديثة  لازلنا نملك رصيداً ليس بالقليل  فمنابر التواصل والاجتماعي وتقنيات الاتصال الحديثة سخرت لتحويل العالم من فلسفة الاستقرار والتعايش والأمن الى فلسفة الاضطراب والفوضى وتشجيع القتل وفق مبررات وأساطير وهمية متناسين حضارتنا العريقة في علم المعلومات بشهادة عميد محرري صحيفة  فرانكفورتر الغماينة تسايتونغ الألمانية، فولفغانغ غونتر ليرش، إنه ما كان للعالم اليوم أن يرى الإنترنت أو  الحاسوب لولا ما سطره من نظريات ومفاهيم مؤسس علمي الجبر واللوغاريتمات وواضع القواعد الأساسية لعلم الحساب الحديث، العالم المسلم أبو جعفر محمد بن موسى الخوارزمي. ان شمس الحضارة العالمية بزغت  في مصر وبلاد الرافدين وفارس والصين ، وثم انتقلت الى بلاد اليونان والرومان ،وما ان استقرت في بلاد العرب مع بزوغ شمس الاسلام  تركتهم ، وحلت رحالها في العالم الغربي وهنا يمكن القول ان للحضارة دورةً  حياتية معينة تشبه الى حد بعيد دورة حياة الانسان كما يقول ابن خلدون وان فترة الازدهار والاندحار مرت على جميع الامم وما يدرينا ان يعود العقل الاسلامي الولود الى الإبداع أم ستبقى الاوطان  في ثوب الحداد .