رمضان في المتنبي

 

 يبدو ان طقوس رمضان امتدت الى شارع الثقافة وهذا ما ظهر على وجه الشارع يوم الجمعة الموافق 10  حزيران2016  وما بعده ، عندما قل عدد رواده واغلاق ابواب المرافق الثقافية فيه . فلم يكن في الشارع تلك الجمعة سوى العشرات ، في حين بسط بائعو الكتب عناوينهم على الارض كما يفعلون كل جمعة ، الا ان محصولهم هذه الجمعة قليل لم ينل رضاهم .. الى ذلك غُلقت ابواب المركز الثقافي البغدادي ومبنى القشلة ، كذلك أغلقت مقهى الشابندر ابوابها لانها تقدم المفطرات . لهذه الاسباب وغيرها انحسرت النشاطات الثقافية بشكل عام ، الرئيسية منها التي تقدم في المركز الثقافي البغدادي او المراكز الثقافية الاخرى ومنتدى الفكر . والفرعية التي تقدم في مبنى القشلة ، المثقفون والفنانون والاعلاميون والمهتمون والمتابعون كلهم صائمون وهذا ما جعل الجمعة الاولى من رمضان تصبغ طابعها على شارع الثقافة العراقية . المحفل الثقافي العراقي المتميز الذي لا يشبه غيره ، ازعم انه متفرد في بغداد وتمتاز به العاصمة العراقية دون غيرها من العواصم ، اشعاعات الثقافة لم تتوقف في بغداد رغم سطوة رمضان ففي المسرح الوطني تم عرض مسرحية ( يارب) تمثيل سهى سالم وفلاح ابراهيم تناولت موضوع القتل والموت الذي احاط العراقيين من كل صوب ، وتم اخراجها بطريقة ذكية استخدمت فيها تقنيات حديثة في الاخراج المسرحي .

كما افتتح معرض شامل للسيراميك العراقي في جمعية الفنانين العراقيين عرض فيه (200) عمل فني من اجيال واساليب مختلفة لـ(59) خزافاً اشتركوا في المعرض الذي يعتبر الاول من نوعه حيث كان الخزف يعرض ضمن المعارض التشكيلية .. المعرض افتتحته السفيرة السويدية في بغداد بحضور عدد كبير من الفنانين والمهتمين حيث مثل تظاهرة فنية ثقافية ابداعية انسجمت تماماً مع اختيار بغداد واحدة من مدن الابداع في العالم من قبل منظمة اليونسكو التابعة للامم المتحدة .

الدواعش المتخلفون أبوّ الا ان يسببوا الالام للعراقيين الذين يسعون اليوم الى ضم الاهوار الى لائحة التراث العالمي ،  فسوى اثارة العنف الذي يقومون به ، وسفك الدماء في الشوارع والساحات والاسواق والاماكن العامة المزدحمة ، فانهم يلجؤون بين فترة واخرى الى تهديم رموز ثقافية فريدة ، وآخر جرم اقدموا عليه كان تفجير (معبد نابو) في نينوى ، ما افقد العراق واحدا من الشواهد التاريخية المادية المهمة التي تعد فريدة من نوعها .

المرأة العراقية المثقفة التي لها اسهامات واضحة في الثقافة العراقية استطاعت ان تثبت حضورها في المحافل المختلفة فقد احتفل منتدى الاعلاميات بافتتاح مقره الجديد وعُرض خلال الاحتفال الفلم العراقي (اصابع من زجاج) سيناريو واخراج الفنان عصام حسين حيث تناول الفلم البنية الاجتماعية العراقية ومدى تفاعلها مع الفن.

الفنانة التشكيلية العراقية عشتار حمودي اضافت للمشهد الثقافي العراقي لمسة نسوية عندما اقامت معرضها الثاني والعشرين بعنوان (احزان النخيل) . المعرض احتوى على بين اكثر من خمسة وعشرين لوحة مثلت محاكاة لواقع الحياة التي يعيشها العراق . بينما اقامت دائرة العلاقات الثقافية العامة بوزارة الثقافة ندوة ثقافية عن ترشيح الاهوار للائحة التراث العالمي ، تم خلال الندوة عرض فلم وثائقي عن الاهوار والقى الدكتور منذر علي محاضرة عن الاهوار العراقية ونبذة تاريخية عن لائحة التراث العالمي التي تشرف عليها المنظمة الاممية (اليونسكو) . وفي بغداد ضيفت مؤسسة برج بابل معرض الفنان زياد جاسم المعنون (اعادة تدوير) تناول من خلال اللوحة ما يجري في البلاد من تكرار الشخصيات المختلفة في ادارة المناصب العليا وهو المشهد الذي حاول فيه الفنان زياد ان يربط بين فكرة اعادة تدوير الاشياء واعادة تدوير السياسيين في العراق .

هذه بعض الوقفات الثقافية آثرنا ان نستعرضها كشاهد على ان الثقافة لا تتوقف بصيام الناس في شهرهم الفضيل هذا ، وانها اي الثقافة وان صامت فانها تفطر على زاد جديد ألفه العراقيون وطالما تزودوا به .. ويبدو أن رمضان الذي بدت ملامحه واضحة في شوارع بغداد كافة امتدت تلك الملامح الى شارع الثقافة البغدادي ، فاختصرت طقوسه ومناسكه وما ينتجه من زاد ثقافي كل جمعة .. انها ايام معدودات سرعان ما تنقضي لتأتي ايام اخر من الابداع و التجديد الثقافي العراقي.