فشل ساسة العراق الجدد في بناء مجتمع موحد ، ولم يتعلموا من مغبة شرور الاقصاء الذي تم على فترات من تاريخ العراق الحديث ، فالمجتمعات لا تنهض على الأساطير ولا تبنى بمكون واحد بعينه . فقد بنوا بيوتا واهيه أوهى من خيط العنكبوت ، البيت الشيعي والسني والكردي بيوت مبنيه على مرارات التاريخ وتستبطن رغبه في الانفصال عن الاخر .
انتصرت المشاعر الطائفيه على مشاعر التعدد والشراكه ، انتصر منطق الغرفه الضيقة على منطق البيت الواسع . اضاع الشيعه فرصه تاريخيه حين امتنعوا عن التنازل قليلا لمصلحة منطق الدوله حماية لانتصارهم ، اضاع السنه فرصه تاريخيه حين امتنعوا عن التنازل لمنطق الدوله الجديده وهو ما كان يمكن ان يقلل خسائرهم ، الأكراد انعزلوا بعيدا في كيانهم تشغلهم مصالحهم ومكتسباتهم ان لم يشاركوا في تغذية الفوضى والدمار ، هناك من يريد تسديد فواتير للتاريخ بمعاقبة السنه على إمساكهم تاريخيا بقرار العراق .
كيانات أخفقت في بناء مواطنه حقيقيه ومؤسسات سلطه راسخه مجرد شعارات جوفاء فلا الحريات مصانه ولا الديمقراطيه ممارسه ولا حقوق الانسان محترمه ، رهنوا مصير البلد للآخرين ، ازدواجيه المعايير وتزوير التاريخ والاستقواء بالقوى الخارجيه وقطع جسور التعايش ليس اللبنه الصالحه لبناء وطن ، الدمار الذي اصاب البلد وخرب التركيبه الديموغرافية سيجعل من الصعب تأمين اي سلام ، مكونات لا ترى في الدوله الحاليّه الا مرحله وليست ديمومة ، اي القبول بقوانينها ومؤسساتها ماهو الا جسر لإسقاطها وإقامة الدوله التي تناسب مقاساتهم ، وبذلك يعلن الانتصار الذي هو اشد عارا من الهزيمه . ازدادت ضغوطات العيش حين اقتلعت سلسله من الزلازل والهزات العنيفه اخر ركائز الاستقرار في العراق ، تناوبت الزلازل على منطقه هشه الجغرافيه فيها مفخخه بمخاوف التاريخ وأحقاده ، كيف توفر الصيانه اللازمه لإنقاذ استقرارها وخرائطها ومصالحها ، الزلازل انفجارات بفعل الظلم والاستبداد والفقر او بفعل الارهاب والتكفير والتدخلات المذهبيه او التسلل الى الخرائط وتغليب منطق المليشيات على منطق الدول والجيوش ، في العراق رغم وجود عدة فرق في كل جهه لا أمل في الإصلاح من قبل الجماهير الغامضة ، كلما صارت هبه شعبيه من اجل الخدمات يرتكب داعش عمليات طائفية وترتكب المليشيات جرائم وكأن محركهم واحد فيشتعل النزاع الطائفي الذي يختفي تحت غطائه كل الفاسدين بدعوى الغيره على الطائفه والمذهب ، هذه الحاله لصالح الأطراف الخارجيه التي تريد استمرار النزاع ، المتضررون من هذا المشهد سكان العراق ، في العراق اليوم تتحكم الميليشيات بالساحه العسكريه وتحل محل الجيش ، هذا التاطير من قبل الحكومه هو وسيله لمنح الشرعيه لتلك الجماعات وتبرير تدخلها العسكري لدعم الجيش الضعيف ، وبالتالي القيام بادوار سياسيه لمصلحة الجهات الراعيه لهم وبذلك تساهم في تقويض سيادة الدوله ، الاستعانة بالميليشيات قد تسمح للدوله بتحقيق أهداف عسكريه قصيرة المدى ولكن لها تداعيات جديه على شرعية الدوله وسيادتها في المدى البعيد ، تتحول الى جهات فاعله وسياسيه في مرحلة ما بعد الصراع ،فهي لا تنشأ من قبل الدوله بل بسبب ضعف الدوله ، تستخدم الميليشيات أدوارها العسكريه القائمه كمنصه للمطالبه بدور سياسي وتعمل بنشاط على الإبقاء على ضعف الدوله من اجل تبرير هدف الحفاظ على سلاحها ، خصوصا وان هناك صراع ما بين مجموعة من المشاريع على الساحه العراقيه ، هناك المشروع العربي ويمكن تسميته باللامشروع فهو غير محدد ولا يملك رؤيه واضحه مجرد دفع الارهابين الى محرقة العراق للتخلص منهم بعد ان حرضوا وألبوا على العراق ودفعوا الفواتير وجلسوا ينتظرون ما تأتي به المقادير ، اما المشروع الايراني يكمن في إضعاف الشرعيه الوطنيه وخلخلتها تمهيدا لجعلها دوله فاشله ومن ثم التحكم فيها وتحويل الدول من اوطان الى ساحات صراعيه بين مكونات هذه الاوطان تحت شعارات زائفه حتى يسهل التغلغل في نسيجها الوطني وعزل بعض العرب الشيعه على اساس ولائهم من بقية المكونات في اوطانهم ، من اجل الالحاق لا الإصلاح لان الالحاق يستبعد المكونات الاخرى في حين يحتاج الإصلاح كل اجنحة الوطن .
هذا الضخ عطل التطور الطبيعي للتقدم الاجتماعي والسياسي في العراق واستنزاف الدوله تمهيدا لتعطيلها . في حين ان الذاكره الجمعيه للعراقيين ترفض الخضوع للاجنبي . لا شئ في الأفق يدعوا للتفاؤل فنحن نحسن القفز في الحروب والفوضى ولا نحسن الخروج منها ، الدخول الى المستقبل اصعب من الارتداد للماضي الماضي سهل دائما ، انتصر ما هو معتم على ما هو مضئ ، ولكن الشعوب كالأمل لا تموت ...!!!