لا يختلف إثنان على أن القضاء في العراق وخاصة المحكمة الاتحادية العليا أصبح مسيسا لصالح الحكومة والقوة السياسية الاكبر منذ ما يربو على عقد من الزمن ، فهذه المحكمة خاصة والقضاء عامة كانا يصدران أغلب أحكامهما بناءا على رغبة وإرادة الحاكم بأمره ، الممسك بزمام السلطة ، فيما أضحت اليوم في موقف محرج لا تحسد عليه بعد إنشطار القوة الاكبر وتشظيها وظهور نوع من التوازن بين شطريها ، فباتت لا تعلم لمن تصدر قراراتها لكي لا ترضي طرف وتغضب طرف آخر . وفي الاسابيع الماضية بقيت تعاني من أزمة وتمر في محنة في ما يتعلق باتخاذ قرار حاسم وحازم في الدعاوى المقدمة للطعن بدستورية جلستي مجلس النواب اللتان عقدتا في 14 و 26 نيسان الماضي.
وهكذا فقد أعلنت المحكمة الاتحادية العليا تأجيل جلستها الخاصة بهذا الشأن لعدة مرات حتى باتت توجهات المحكمة الاتحادية العليا واضحة للعيان بأنها تُسوّف الامور وتعمل على كسب الوقت بانتظار تسوية الموضوع بين الاطراف المتنازعة وديا ، رغم ان المحكمة لديها الدلائل والقرائن التي تُمكنها من اصدار قرار في الدعويين المقدمتين أمامها.
عذر المحكمة في التاجيلات المتعددة هو طلب المشورة من قبل خبراء ثلاثة ومن ثم خمسة جدد ، وعلى الرغم من كونها اجراءات قانونية صحيحة إلا انها لا تخلو من توجهات بعدم اصدار قرار سريع من قبلها ، مفضلة التسوية بين المتنازعين أو تنازل أحد طرفي القضية. وهو ما حدث بعد ان أصدرت المحكمة حكمها الاخير القاضي بعدم دستورية جلسة البرلمان ليوم 26 نيسان ، وعدم شرعية جلسة يوم 14 نيسان ايضاً، لكي لا تغضب طرف على حساب الآخر وكما يقول المثل المصري - مفيد حد أحسن من حد- متجاهلة الدستور وقانونها الخاص والقوانين المرعية التي توجب عليها ان تصدر قراراتها دون تمييز او مساومات او محاباة سياسية بل ان تكون قراراتها قانونية محضة.
وهكذا تبدو المحكمة الاتحادية قد تَحوَّلت في الوقت الحاضر من محكمة ينبغي أن تكون عادلة ، شجاعة ، تمتلك الموضوعية في قراراتها الى مجموعة أشخاص يحاولون أن يداروا خبزتهم – كما يقال – بإجراء تسويات وإنتظار مصالحات أو تنازلات من قبل أطراف النزاعات لكي لا يغضب على أعضاء هذه المحكمة البائسة السلطان وبالتالي يفتك بهم ومن ثم قد يعزل أعضاءها بقرار مفاجيء ، ولا يشفع لها حينذاك مبدأ - أن إقالتها هو لدى أعضاءها فقط - والدليل ما يحدث منذ سنوات من إصدار قرارات باقالة واعفاء مسؤولين رفيعي المستوى خلافا للقوانين المرعية.على أعضاء المحمكة أن لا ينسوا حكم الله جل في علاه ، ولا ينسوا حكم التاريخ الذي لا يرحم، من خلال ضرورة اتخاذهم قرارات شجاعة وعادلة وجريئة ، بدلا من مداراة سلطان الدنيا الفانية الذي سيكون وبالا عليهم يوم يقفون بيد الله الواحد القهار ، وإذا قيل - قاضيان في النار وقاضٍ في الجنة – فان قضاتنا ربما سينالون حصة الأسد من جراء ما فعلوا من ظلم وجور ومحاباة للسلطان على حساب النزاهة والعدالة والانصاف.