مع الإقرار بعدم قدرتنا على سبر النوايا، أو التحقق من خلفيات إتخاذ المواقف، إلا أن السيد رئيس مجلس الوزراء، يتحمل معظم أسباب اللأزمة السياسية التي نحن فيها. هذا الرأي لا نطلقه تعسفا، بل يشاركنا فيه بشكل متطابق، كثير من الكتاب والمتابعين للشأن السياسي، فضلا عن عدد كبير من الساسة، ومنهم ساسة من التحالف الوطني، الذي بدأ يتهدم بشكل متسارع، منذ أن تفاقمت الأزمة السياسية الراهنة، جراء المواقف المتباينة بشكل تقاطعي بين أطرافه.
الحديث عن الأزمة السياسية، يدفعنا الى أن نبحث في أسبابها، وقبل ذلك يتعين أن نتحدث عن إفتراضات بناء الدولة السليم، لنتبين مواطيء أقدامنا، ولنتحقق من مصداقية إفتراضنا الآنف الذكر.
ثمة مجموعة من العلاقات، تحكم مسارات بناء الدولة، فهناك علاقة مؤكدة بين الفكر الاقتصادي الذي تتبناه الدولة، وبين التشريعات الإدارية المؤثرة في عملية البناء الاقتصادي، وهناك علاقة بين البيئة السياسية المتمثلة بالسلطة صاحبة القرار، وبين قراءة نتائج المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية، وهناك أيضا علاقة بين القرار السياسي، ومشاريع التكتلات الإقليمية والعالمية، والأسواق المشتركة وانعكاساتها على الاقتصاد.
كما أن هناك علاقة بين البيئة السياسية، وحركة الاستثمارات وتدفق رؤوس الأموال، وأخرى بين التخطيط والبحث العلمي، للدولة وبين التنمية الاقتصادية، وبين سيادة الثقافات غير الاقتصادية، وتخلف البنيان الاجتماعي والإنفاق ألبذخي، و بين التخلف الاقتصادي، وصعوبات التنمية الاقتصادية. العلاقة الأكبر هي تلك التي بين الأمن السياسي والوطني، وعملية بناء الدولة.
مجمل هذه العلاقات؛ هي ما يفترض أن يتحرك بمداها صاحب القرار، والمعني به بشكل مباشر في مقاربتنا هذه، هو السيد رئيس الوزراء، والخطأ في أي من هذه العلاقات، يؤدي الى علاقة سلبية بين أسلوب إدارة الحكومة، وعدم الاستقرار السياسي وبين التنمية الاقتصادية.
الحقيقة المؤلمة أن السيد رئيس الوزراء والفريق المحيط به، لم يتحركوا بناءا على الإفتراضات المنطقية الآنفة، بل لجأوا الى أسلوب الصدمة، في تناول موضوعة الإصلاح، فكان أن وقعنا بالمحذور. أسلوب الصدمة في معالجة المشاكل السياسية، لا ينطلق من تخطيط مسبق متكامل، ولا حتى من خطوط عريضة، بل يقوم على تجزئة الموقف العام، الى مواقف متعددة، ظنا أن هذا المسار يفكك المشكلة الكبرى؛ الى مشكلات متعددة ولكنها صغيرة، بإعتقاد أن ذلك يمكن الفريق من معالجتها كل على حدة!
إذا تناولنا تخبطات عملية الإصلاح المزعوم، بحسن الظن، يمكننا القول أن بناء المستقبل، لا يتم بالأماني والنوايا فقط، ولا بالقرارات الإرتجالية، ولا بلعبة الكراسي؛ التي فضحتها عملية تبادل المواقع، بين المفتشيين العموميين للوزارات والهيئات، بل بالعمل المثابر المخطط له بعناية قصوى،وصولا الى التفاصيل الدقيقة. كلام قبل السلام: عملية التخطيط المفترضة؛ينبغي أن يديرها عراقيين يسري العراق وحده، ووحده فقط في عظامهم، وهذا ما هو مفقود! سلام....
|