إرادة الناخب والدولة الصامتة

 

لا تزال ماكينة عد الأصوات الانتخابية تدور وتسابق الزمن لتعلن النتائج النهائية في السقف الذي حدد لها. ومع اقتراب هذا الموعد الافتراضي، وفي ظل تسريبات النتائج الأولية التي تشير إلى تقدم بعض الكيانات الانتخابية على حساب أخرى، تعلو أصوات الخاسرين أو الذين أدركوا أن الخط البياني لعدد المقاعد وضعهم مع الكتل الصغيرة، إما طاعنين بنتائج الانتخابات ومتشبثين بخرق هنا وهناك، أو مطالبين بإلغاء نتائجها، غير آبهين بإرادة الناخب واختياره.

هذه الكتل التي كانت إلى الأمس القريب تعد نفسها من الكتل المؤثرة في المشهد السياسي، منطلقة من قواعد جماهيرية، من دون أن تحسب تغير المزاج على وفق منظور خاص بكل ناخب.

مهما تكن نوعية الـ50 % التي أعلنت المفوضية العليا للانتخابات أنها نسبة المشاركين الذين أدلوا بأصواتهم، علينا أن نحترم خياراتهم بغض النظر عما ستأتي به من أشخاص، ربما تكون وجوههم مكرورة من دورات ماضية. إنهم اختاروا وعليهم أن يتحملوا نتائج اختياراتهم، ولكن من يحاول أن يهمش الناخبين ويقلل من أهمية تصويتهم ما كان عليه أن يفوت الفرصة ويبقى حبيس داره، عازفا عن المشاركة واعطاء صوته لمن يعتقد أنه سيكون مفتاحا للتغيير المنشود.

ربما تكون منطلقات الصمت لدى من غاب عن التصويت منطقية، لكون الاحزاب الحالية بكيانتها الانتخابية هي ذاتها الموجودة في السلطة التي تعجز عن توفير الخدمات، وهي ذاتها في مجلس النواب الذي انشغل بإقرار قوانين تخص أعضاءه، أكثر من تشريعه لقوانين تخدم الشعب وتخفف عن كاهلهم، فهؤلاء الغائبون عن التصويت، لا يرون نفعا في الادلاء باصواتهم لهذه الكيانات التي ستعيد إنتاج الفشل والخصومات والفساد.

حضر 50 % من الناخبين وغاب مثلهم، احتفظوا باصواتهم وفق مبررات يعتقدون صحتها فقاطعوا الانتخابات، ولكن العجيب في الأمر أن من يرى فرصة التغيير قد تراجعت أمام رغبة الناخبين الذين جددوا الثقة بقوائم بعينها، يوجه صفات غير مقبولة لهؤلاء واختياراتهم التي رفعت من رصيد خصومهم، وهذا ما يجعلنا نتصور مصير الديمقراطية الوليدة وإلى أي نهاية تسير، فحين لا نقبل بنتائج الصندوق، نحدث ثغرة في العملية الديمقراطية ونسهم في الاجهاز عليها مبكرا.

علينا أن نعتاد على لعبة الصندوق الانتخابي، ونرضى بنتائجه التي لم تأت من فراغ، بل أتت من أصوات ناخبين مثلنا اقتنعوا بمن يمثلهم فاعطوا اصواتهم له، فيما عجزت اصوات الآخرين من أن تحقق النجاح المنشود.

أما الغائبون لأسبابهم الخاصة، فالنسبة المئوية تخبر أنهم مقاطعون منذ أول انتخابات نظمت بعد العام 2003، وبالرغم من الزخم الذي جاء به التغيير فان نسبة المشاركة بقيت ترواح قريبا من هذا الرقم في كل الانتخابات التي أجريت، إلا أن الأمر مثل كل مرة يمضي بهدوء بعد انتهاء أي انتخابات، ولا يثير تساؤلات لدى مؤسسات الدولة المعنية بالأمر، ولا نجد من يتساءل عن سبب غياب نصف عدد الناخبين، كما لا نجد أي منظمة أو مركز للأبحاث مهتما بأسباب الغياب عن التصويت، ولا أحبذ اطلاق صفة "المقاطعة" على أغلبية صامتة، لا نستطيع التعرف إلى توجهاتها وماذا تريد وأي دوافع جعلتها تفضل الركون إلى الصمت ومن ثم الغياب المتكرر.

الأغلبية الصامتة هي في حقيقة الأمر غائبة، وربما تكون مغيبة بشكل قسري، في حين أن الدولة هي الصامتة.