تاكد من الرقم المطلوب

طوال السنوات الأخيرة ومع بزوغ الألفية الثالثة وجدنا الفضائيات٬ خاصة في رمضان٬ تتبارى في استضافة النجوم وهم على المقابل لا يضعون أي سقف لتصريحاتهم٬ ويذكرون ببساطة أدق التفاصيل التي تتناول حياتهم الشخصية٬ كانت هذه البرامج تحقق رواًجا في البيت العربي الذي صار يفضل أن يستمع إلى فضائح النجوم٬ وهو سعيد عندما يتابع قصصهم المنزلية٬ من لجأ إلى لخيانة الزوجية أو وقع تحت سطوة الإدمان٬ بعض النجوم أو تحديدا الذين فاتهم القطار لم يكن لديهم سوى الماضي يبيعونه٬ وكثيرا ما كانوا يستضيفون صباح ومريم فخر الدين لكي يحصلوا على بضاعة تصلح للتسويق٬ لأن كلاً من النجمتين كان من السهل أن تقع في المصيدة٬ فإذا لم تكن الحاجة للأموال هي الدافع٬ فإن الحاجة للأضواء تكفي. هل وصلنا لمرحلة التشبع من هذه البرامج؟٬ في الحقيقة نعم٬ لأن المادة البرامجية تشبه إلى حّد كبير البوفيه المفتوح عندما تتكاثر عليك الأطعمة تصيبك بشيء من النفور٬ تابعنا قبل 5 سنوات موجة من دراما «سيت كوم»٬ حيث زمن الحلقات محدود والجهد الإخراجي معدوم٬ فكانت أشبه بالمسرح لأن الهدف هو تسجيل أكبر عدد من الساعات في أقل عدد من الأيام وبأقل تكلفة٬ والكل يحصل على نصف الأجر٬ لأنه يبذل نصف الجهد٬ أتذكر أننا وصلنا في بعض السنوات إلى 30 مسلسلا من هذا النوع٬ ثم فجأة بدأ البريق يتراجع ولم يعد هناك من يشتري٬ فتوقف هذا النوع الدرامي٬ الذي كانوا يحرصون على أن يضيفوا إليه عن طريق «المكساج» المزج الصوتي٬ كمية من الضحك وكأنهم يريدون أن يصاب الجمهور في البيت بتلك العدوى؛ إلا أن الحصيلة عادة لا تدعو حتى لمجرد الابتسام؛ بل وصلت أحياًنا للامتعاض. لقد شاهدنا جيلاً كاملاً من نجوم الكوميديا صاروا الآن خارج المعادلة الرمضانية وغير الرمضانية٬ رغم أنهم في الماضي كانوا هم العنوان ولم نكن نتصور أن رمضان يأتي دون أن يصبحوا هم الطبق المفضل على المائدة٬ التغيير هو سنة الحياة٬ والنجم الذي لا يفاجئ جمهوره بالجديد يكتشف أنه صار خارج المعادلة٬ والتليفون الذي كان في الماضي لا يكف عن الرنين من شركات الإنتاج والفضائيات يصاب بالخرس٬ كثير من النجوم الذين نشاهدهم الآن في أدوار ثانية على الشاشة٬ كانوا في الماضي يتصدرون المشهد٬ النجم في مرحلة ما يجد نفسه أمام الاختيار الصعب إما أن يخضع لقانون العرض والطلب٬ ويرضى بمساحة درامية ضئيلة ويعوض ذلك عادة بأحاديث صحافية وتلفزيونية تؤكد أنه يؤمن بالمقولة الشهيرة: «لا يوجد دور صغير ودور كبير٬ ولكن هناك ممثل صغير وممثل كبير»٬ وبالطبع يريد أن يقول للجميع إنه الممثل الكبير. وتتعجب أين هو في الماضي هذا الممثل الكبير٬ عندما كان يملأ الشاشة كلها ويشترط قبل الموافقة على التصوير كتابة اسمه سابًقا للجميع٬ شريعة الحياة الفنية قاسية جًدا وطاولات شركات الإنتاج التي تصنع الصفقات في كل عام لا قلب لها٬ من الممكن أن يغلقوا الباب أمام نوع ما مثل البرامج الحوارية أو يكتبون النهاية لنجم كان يملأ الدنيا فيجد نفسه خارج المعادلة٬ وعندما يسارع بالاتصال ليذكرهم بنفسه وتاريخه يجد الدنيا قد تغيرت٬ وقد يستمع إلى صوت الجهاز الآلي مردًدا: «الرقم غير صحيح من فضلك تأكد من الرقم المطلوب»٬ وبعدها يكتشف أن المشكلة ليست في الرقم المطلوب؛ ولكن في الطالب بعد أن صار خارج نطاق الخدمة!