الانتخابات جوهرة تاج الديمقراطية, لكنها وبكل تأكيد ليست الديمقراطية كلها, وأن تجرى انتخابات فهو أمر جيد، ولكن ليست كل انتخابات تجري بظروف وشروط جيدة.
ودعونا، دون أن نخوض في ظروف انتخابات مجالس المحافظات التي جرت بالأمس وشروطها وبعيدا عمن سجّل تقدما بين المتنافسين وعمن تدنت شعبيته, ننظر إلى المشهد عموما، والذي بلا شك يعطينا انطباعا بأن هناك تراجعا واضحا في مؤشر ديمقراطي غاية في الأهمية ألا وهو (إقبال الناخبين).
إقبال الناخبين في هذه الانتخابات كان ضعيفا، فإن اعترض معترض فهو إقبال متدنٍ، فإن شكك آخر فلا أقل من أن الإقبال متراجع بوضوح مقارنة مع أي انتخابات سابقة.
هذا الإقبال الضعيف لا يتناسب مع حجم الدعاية الانتخابية الكبير ولا يتناسب مع الأعداد الكبيرة للمتنافسين ولا يتناسب مع جهود الإقناع التي حاولت فيها الكيانات الكبيرة إقناع الناخبين من خلال النزول برؤساء تلك الكيانات إلى ساحة الدعاية الانتخابية ووضع ثقلهم كاملا في المعركة.
وإذا كان الجانب الأمني عائقا أو مانعا أو عنصرا مثبطا يحول دون المشاركة في المرات السابقة، فان هذا الجانب لم يكن المؤثر والمثبط هذه المرة، خصوصا وأنه لم تسجل أي خروقات أمنية لافتة (وللأمانة الموضوعية يجب أن نثمن عمل الأجهزة الأمنية ونجاحها في الحفاظ على الأمن أثناء العملية الانتخابية).
العنصر الواضح الذي أطاح بأرقام المشاركة والذي انحدر بها هو عنصر (اللاثقة). نحن نعيش الآن عند النقطة الأعلى لمؤشر اللاثقة في المنحنى البياني الديمقراطي منذ 2003 حتى الآن.. هذا المؤشر الذي أخذ بالتصاعد من انتخابات إلى أخرى، ومن إخفاق حكومي إلى آخر، ومن مجموعة كاذبين تفرزها الصناديق إلى مجموعة أخرى، ومن صائفة بلا كهرباء إلى صائفة أخرى ومن مجموعة وعود لا تنفذ إلى مجموعة أخرى.
شعور مؤسف باللاجدوى عند المواطن العراقي، وجوع دائم للمزيد من السلطة عند الساعين عليها.
الأمل هو الشيء الأهم الذي يجب ألا نتخلى عنه، وكنت من دعاة الأمل دائما، ولكن قراءة الواقع تقول غير هذا، والمصداقية تحتّم أن نشير إلى أن هناك يأسا لدى كثيرين من أبناء هذا الوطن، ويأسا قد تختلف أسبابه لكنه واضح وموجود, وهناك إحباط يتفشى ويتزايد.
اليأس والإحباط مؤشرا خطر على السلم الاجتماعي، وفي نهاية الأمر على الأمن والحياة والتقدم والنمو.
دعوني أشير إلى أمر مهم أيضا في هذه الانتخابات؛ هو تراجع تأثير المرجعيات الدينية في الجمهور لجهة دعوتهم الناس للمشاركة في الانتخابات، إلا أن صدى هذه الدعوة لم يكن كما عهدناه في السابق.
هنا دعوني أعيد طرح مقترح سابق لي, أو لنقل طرح فكرة للنقاش في ظل هذا الاقبال الضعيف، وهي لماذا لا يصار إلى وضع حد قانوني أدنى لنسبة المشاركة في الانتخابات. وتعتبر الانتخابات في حالة عدم بلوغ هذه النسبة لاغية أو باطلة. تخيلوا أن يقود شخص محافظة نسبة المشاركة في انتخاباتها هي الثلث وحصلت كتلته على ثلث ذلك الثلث.
هل نحن في ظل تدني نسبة المشاركة أمام سطو (قانوني) على أصوات وإرادات أولئك الذين لم يشاركوا يأسا أو إحباطا أو لعدم ثقتهم بالمرشحين ومن خلفهم؟