من أجل أن نكون مواطنين حقيقين علينا أن نرفع الصوت الوطني الموحد والجدي لمواجهة منهجية التخريب والفساد الأجتماعي أولا، قبل أن يكون هدفنا تحرير العملية السياسية من الفساد والمحسوبية وصيانة الأمن القومي العراقي وبناء مؤسسات وطنية تعمل لمصلحة العراق، وتتخذ من الحرفية والمهنية العالية طريقا للشروع في بناء نموذج دولة وكيان محترم بين الدول والمجتمعات، قد يكون الطرح فيه نوع من الغرابة عندما نقدم عملية الإصلاح الأجتماعي وإعادة بناء المنظومة الأخلاقية الوطنية على كل المحاولات الرامية للإصلاح. هذه الحقيقة التي يعرفها علماء الأجتماع وعلماء النفس السلوكي تتصل بقضية القيم والعلاقات الفوقية الصحيحة وقدرتها في تصحيح مسارات الإنسان في كل المجالات، بالتجربة الحية والمعايشة ثبت أن مشكلة القيم الأجتماعية عندما تنحرف عن خط التوازن هي المسئولة المباشرة عن أهتزاز واضطراب كل العلاقات التي ترتبط بها، غياب مفردات مهمة في الثقافة الأجتماعية مثل العيب والحرام واللياقة والوطنية والشعور بالمسئولية والتكافل وروح التعاون نتيجة طغيان مفاهيم منحرفة ودخيلة شوهت كل المنظومة الأجتماعية الوطنية، ابتداء من دائرة الأسرة الصغيرة ثم العائلة والقرية والمدينة وصولا إلى نشوء ظاهرة الأغتراب الأجتماعي وسيادة الفوضى الأخلاقية لتحل بدلا من كل ما تقدم مفاهيم مختلة طارئة تفرز وعيا منحرفا وقيم تخريبية تنعدم معها كل المحاولات الإصلاحية في مجالات الثقافة والفكر والسياسة. المنظومة السياسية هي صورة حقيقية لقيم فهم المجتمع للسياسة ودورها في تنظيم المسارات الوطنية في المجتمع، وعندما تختل قيم المجتمع وأخلاقياته وقواعد العمل الاجتماعي لا بد أن يصيب الفكر والممارسة السياسية الانحراف وتتحول الأخيرة إلى ميدان حقيقي للمزيد من التخريب والفساد الذي لن ولم يترك جزئية صغيرة من العلاقات الأجتماعية إلا وتغلغل فيها وهكذا تتوالد قيم جديدة أكثر فسادا مما كان، الرشوة والأنتفاع الوظيفي جزء من عملية الفساد وكان الكثير من السياسيين يحاول من باب الحفاظ على نزاهته الشخصية أن لا يتورط فيها من باب العيب والحرام وأحترام الذات، تحولت اليوم بفضل القيم المنحرفة إلى شطارة وفن وبرغماتية أقتصادية حتى الرجال المحسوبين على الدائرة الأخلاقية والدينية لا يتورعون من الانتفاع منها تحت عناوين منحرفة لا تمت للواقع الأجتماعي الطبيعي بصلة، بل أصبحت المناداة بتحريمها أو أدانة الفاسدين مشروع معادي للعملية السياسية ويصرح البعض أن هذا الهدف ليس أخلاقيا بالمرة لأنه يعادي منهج يعتبرونه سليما وصحيحا من وجهة نظر الفاسد والمنحرف. لقد كان للدين والثقافة والترابط الأجتماعي وسياسة الضبط القانوني لصيانة المجتمع من الانحرافات الأخلاقية، وبما تلعبه المؤسسة الأجتماعية مثل القبيلة والقرية والمحلة والأسرة لها الدور المهم والحقيقي في بناء منظومة سياسية تلتزم بمحددات المصلحة الوطنية العليا، تحت مراقبة وتربية وضبط المؤسسة الأجتماعية تخرجت من طبقات المجتمع كوادر وأفراد ومؤسسات وقيم سياسية تعتبر التعامل مع العدو خيانة عظمى، والانصياع لرغبات المحتل وتجاوز المصلحة الوطنية عيب أخلاقي لا يمكن إصلاحه أو تبريره، في هذا الوضع السليم والواقع المعافى يمكننا أن تأتمن السياسي على وجودنا ومستقبلنا ونؤمن بما يطرحه أو يؤسس به من مصلحة وطنية كبرى. أما عندما يكون هم السياسي والمسئول الأداري تقديم المصلحة الشخصية والفئوية والحزبية والطائفية على مصلحة البلد والأستعداد للتعاون مع الشيطان من أجل هذه المصالح، لا يمكننا وبأي صورة نثق به أو بمشروعه، ونؤشر على أن هذا الشخص الذي يمثل ثقافة الفساد والتخريب إنما يمثل حقيقة الانحرافات في القيم الأجتماعية السائدة، ولا يمكن محاربة فساده وما يمثل من واقع إلا من خلال إعادة التوازن للعلاقة الأجتماعية التي تجبره تحت عناوين أخرى ملجئه لأن يتوقف ويصحح من مساراته إن لم تكن قادرة على إلغائه شخصيا وأخراجه من دائرة الفعل، بالتأكيد هنا حتى يتم التغلب على هذا المنهج وهذا التوجه المنحرف والفساد السياسي والإداري
|