مدخل ========= استكمالاً لمانشرناه من مقترحات لضوابط ادارية وامنية لدعم الاستقرار الامني , فاننا نكون قد وصلنا في حلقتنا الثامنة الى اختتام التحقيق مع الارهابي ونقل اوراقه الى قاعة المحكمة , لينال محاكمة عادلة , شريطة ان تتماشى مع بشاعة الجرائم الارهابية . ========== تخصص القضاء ========== بحكم تنوع الجرائم في المجتمعات وملاحقة التشريعات القضائية لها , توسعت دوائر القضاء وصار لابد من ان يدخل التخصص القضائي , فتكون هنالك محاكم مختصة وفق نوع الجرائم توخياً للدقة والعدالة , فاصبحت هنالك في العصر الحديث محاكم للجنايات واخرى للجنح والمخالفات وثالثة للاحداث ورابعة للجرائم الاقتصادية والتجارية واخرى للاحوال المدنية والشرعية ومحاكم ادارية وعسكرية ,,وغيرها من التصنيفات . ومن هنا صار ضرورياً (وفق مشكلات العصر) ان تكون هنالك محاكم للقضايا الارهابية , بحكم بشاعة الدوافع والجرائم ومديات الرعب التي يسببها الارهابيون في المجتمعات, ناهيك عن تخطي مفاهيم الجغرافيا والمواطنة لاعضاء التنظيم الارهابي . وتمتاز هذه المحاكم بثقافة قانونية وامنية متخصصة للقضاة ورجال الادعاء , بالاضافة الى اعتماد السرية التامة لجلسات المحاكمة وسير القضية , وضرورة توافر حماية استثنائية للقضاة المختصون بقضايا الارهاب , عدا عن حاجة مثل هذه المحاكم لتشريعات تتناسب مع بشاعة الجرائم . ========== مواجهة الرعب ========== وللاسف , لاتتوافر لدينا في العراق مثل هذه المحاكم والتشريعات الصارمة , رغم ان العراق هو ساحة المعركة الاولى والرئيسية لقوى الارهاب في العالم . فلم تصل تشريعاتنا الى مستوى يتمكن فيه القضاء العراقي من ان يدخل الرعب في صفوف التنظيمات الارهابية باحكام صارمة تفرق بين القاتل بالجريمة الاعتيادية , عن ارهابي يربط خمسين شرطياً ويغلق عليهم نوافذ باص , بعد ان يغرق الشرطة بالبنزين , ومن ثم يحرقهم احياء , لتصعد ارواحهم الى السماء تشكو لبارئها بشاعة الارهاب وارتخاء قبضة القضاء. لقد وصل القصور القضائي الى ذروته في قضايا ارهابية لاحد لبشاعتها , افلت مرتكبوها من العقاب بسبب ثغرات تثير الغثيان وتؤشر على مديات مرعبة من القصور التشريعي , كما في قضية الارهابي الذي اعتقل بالمبرزات الجرمية في داخل منزله في الموصل , ووجدوا في ثلاجة بيته رأساً بشرياً مقطوعاً , وافلت من الحكم التمييزي , لان القضاء اصر على مجهولية صاحب الرأس ومجهولية عائديته لجسد ما , وعدم تمكن القضاء من التوصل الى اسم المجني عليه !!!!!, فأفلت الارهابي من الاعدام الى يومنا هذا . ========== ارهاب خمس نجوم ========== ان عدم كفاءة القوانين العراقية في مجاراة بشاعة الارهاب , وتأخر تنفيذ احكام الاعدام اليتيمة الصادرة بحق الارهابيين , قد لاقت (مع انتشار الفساد الاداري والمالي) ارتياحاً وفرصة للارهابيين للافلات من قبضة العدالة فصارت للارهابي تسهيلات مثيرة تبدأ من لحظة توجهه الى العراق حتى عودته الى بلاده سالماً معافى , مما جعل مغامرته بمثابة رحلة سفاري . فالارهابي ينطلق في (نزهة الارهاب) الى العراق فتدفع جهات دولية مصاريف سفره وتجهيزاته , ثم تتولى مخابرات اقليمية تدريبه وتسلله عبر حدودنا , فيلتحق بالتنظيم الارهابي الذي يتكفل مأكله ومشربه ونكاحه من السبايا , ويسلحه , ثم يرتكب الارهابي جرائمه البشعة حرقاً وتقتيلاً بالابرياء , فيعتقل , وهنا يجد في كثير من الاحيان , اناساً فاسدين مستعدون لتدبير افلاته من المعتقل بالتعاون مع تنظيمه الارهابي الذي يتواصل معه عبر الهواتف النقالة والانترنت من داخل المعتقل !!!, فإن لم يجد طريقاً للهرب , ينتقل الى خطوة اخرى وهي توريط محققين فاسدين يلفقون له اوراقه التحقيقية ويتلفون الادلة والمبرزات الجرمية مما يمكنه من الافلات الرسمي من القضاء لعدم كفاية الادلة , فإن لم ينجح ,فان عليه ان لاييأس (فلايأس مع الحياة ولاحياة مع اليأس!!!!) فيتم تقديمه الى القضاء , وهنا لايخلو القضاء من فرصة لافلات الارهابي , اما بقصور تشريعي او برشوة قاض (وهو امر ليس بنادر فقد اعترف مجلس القضاء الاعلى بطرد قضاة واحالة آخرين للقضاء بجرائم فساد ) فإن لم ينجح وحكم عليه , فغالبا يكون الحكم بالسجن , وحتى لو حكم بالاعدام , فانه سيجد فسحة قبل التنفيذ تمتد احياناً لسنين طويلة !!!تكفي لترتيب وضعه في السجون العراقية , ففي السجن سيجد طرق الاتصال مع جماعته الارهابية مفتوحة ومؤمنة , وستكون فرصة الهرب او التهريب او اقتحام السجن من قبل جماعته لتخليصه , فرصاً حقيقية وقائمة (ويامكثرها) , فيتم تحريره والاحتفاء به (في معسكرات تنظيمه ) احتفاء الابطال , وتراه يسخر من منظومتنا الامنية والتحقيقية والقضائية , ويتجرأ اكثر في دورته الارهابية القادمة وهي دورة خمس نجوم , ولايمكن ان تحدث في اي بلد في العالم . فنرى هنا ان فرصة افلات الارهابي من العقاب على جريمته البشعة , هي فرصة حقيقية ومواتية له دوماً , ونضيف لها هنا امكانية تدخل دولته لاطلاق سراحه (اياً كان جرمه) كما حدث لمرات مع السعودية وغيرها , ولعل من سخرية القدر انه في اخر قمة عربية في العراق عام 2012 , جاء الرئيس التونسي للعراق يطالب بتحويل الارهابيين التونسيين (المحكومين ) الى تونس وصادف (بنفس الوقت) ان قامت مظاهرات صاخبة في تونس تطالب باعدام شاب تونسي اعتدى في بلاده على طفلة صغيرة وقتلها, ولم يستحيي الرئيس التونسي من طلبه المقدم للسلطات العراقية بعدم اعدام مجرمين جاءوا الى العراق وقتلوا ابرياء عراقيين بدم بارد , في خطوة تدل على استرخاص الدم العراقي دون وازع من ضمير. ============ على طريق الحل =========== لاتخلو كل الشرائع السماوية من تجريم القاتل , والحكم عليه بالقتل , بل ان اشارة القران الكريم تشدد في اعتبار ان من قتل نفساً , فكأنما قتل الناس جميعاً , فمابالك بمن كان مشروعه قتل الناس جميعاً؟؟. ان بناء داعش وغيرها من التنظيمات الارهابية , هو بناء اساسه الارهاب والرعب , ولايمكن ان تخلو معالجتنا لقطع شأفة الارهاب من ان تكون بارعاب الارهابيين من خلال تسريع محاكماتهم والبت باحكام الاعدام لتيئيسهم من اية فرصة للافلات بجرائمهم , وعدم الالتفات الى من يتمترسون بحقوق الانسان , فهانحن نرى ان فرنسا بكل ارثها وادبيات الثورة الفرنسية التي ارست اسس الديموقراطيات الحديثة , فانها لم تتورع (حين احرق الارهاب اطرافها) من ان تدوس على هراء حقوق الانسان مع الارهابيين وواجهتهم بالرعب والقتل والاعتقال واسقاط الجنسية وغيرها . ان علينا ان نوجد تشريعات تنطلق من مبدأ واضح يعطي للانسان حقوقه , شريطة اعتبار الارهابيين من صنف الوحوش لامن صنف الانسان .ان علينا ان نرتقي في تشريعاتنا الى مستويات تتناسب مع بشاعة جرائم الارهابيين ومنطلقاتهم التكفيرية والاجرامية , فعلينا ببساطة ان نضع مواد قانونية صريحة تجعل عقوبة الانتماء للتنظيم الارهابي هي الاعدام , حتى قبل النظر في الجرائم التي ارتكبها الارهابي , ولو كان لدينا هكذا قانون لماكان امثال البغدادي وشاكر وهيب وسواهما على قيد الحياة , فيجب هنا ان يعلم الارهابي انه محكوم بالاعدام حالما تطأ قدماه ارض العراق , وحالما يبايع امير تنظيمه. كما ان علينا تأسيس محكمة مركزية مختصة بمحاكمة الارهابيين وان تهيء لها قضاة شجعان محميين بشكل شامل , ومتخصصين في مجال القضايا الارهابية وتنظيماتها . كما ان علينا ان نؤسس لسجون خاصة بالارهابيين , تكون محكمة ويعيش فيها الارهابي حياة هي اقرب للجحيم , بحيث انه يتمنى الموت على الاستمرار فيها , ولابأس بتوفير مشنقة في كل زنزانة بالسجن , نسمح فيها للارهابي بالانتحار , حال دخول اليأس والسأم الى نفسه , وان تكون تلك السجون محكمة لامجال للهرب منها , ويفضل ان يكون حراسها من ابناء شهداء العمليات الارهابية حصراً , كي نطوي للابد الكوارث التي حصلت في ابي غريب وبوكا وبادوش حيث اصبحت السجون مدارس للفكر التكفيري وتنظيمات ومثابات ومراكز كسب وتجنيد بسبب الادارة الفاشلة والنعيق السياسي المريض والفساد الذي ينخر بمؤسساتنا العدلية . كما يجب اغلاق اي طريق لتبادل اي ارهابي مع اي بلد وتحت اي ظرف , وان يسعى العراق لاصدار قرارات متعدده من الامم المتحدده تشدد على المجررمين الارهابين. ========== خلاصة ========== ان المحاكم والسجون والعقوبات والاحكام هي الفصل الاخير من دورة الامن المتمثله في 10 مراحل(راجع مقالنا السابق حول التحقيق), وهي الخاتمه لجهد كبير ودماء غالية وارواح ضائعة. فلابد من ان نرتقي بمحاكمنا وبتشريعاتنا الى مستوى يليق بحفظ دماء شعبنا . ولنكون واثقين دوماً من ان اعتى قلاع المتبجحين بالديموقراطية وحقوق الانسان , لن يتورعوا عن ذبح الارهابيين بلا محاكمة , بل ونزيد على ذلك , من انهم لم يكونوا ليصبروا حتى عن حواظن الارهابيين , ولو حصل عندهم احتلال محافظات من قبل داعش , فلنكن واثقون من انهم سيمهلون اهلي تلك المحافظات مهلة قصيرة ولايتورعون بعدها بقصف تلك المدن بالقنابل الذرية دون الالتفات الى المدنيين . ان علينا ان نعي حين نقوم بكل خطواتنا الامنية والقضائية , ان دماء الابرياء هي دوماً على المحك , وهي دماء يسخر منها المتهم الماثل في القفص ..والله الموفق.
|