قرار رفع الأصفار من العملة العراقية، ورغم انه يأتي ضمن سلسلة إصلاحات تسلسلية قام بها المركزي منذ سنوات عديدة، إلا ان إعادة هيكلة العملة التي كان من المقرر ان تتم خلال العام 2013، من المتوقع ان لا تتم لا في هذا العام ولا خلال الاعوام القليلة المقبلة. موضوع رفع الأصفار، اول ما يمكن ان يقال عنه انه قرار شائك لزاوية التنفيذ، لأننا نعلم جيدا أنه يتضمن سلسلة آثار ايجابية وسلبية، لكن المشكلة ان هناك شكا من قبل اطراف متعددة في عدم المقدرة على تخطي تلك الاثار السلبية تحديدا؛ خاصة في الوقت الحاضر، والا فان الجميع يعرف ان في القرار آثاراً ايجابية. تخفيض قيمة المعاملات، وزيادة الثقة بالعملة، وتقليل نسب "الدولرة"، آثار ايجابية محتملة لا مجال لإنكارها، في حين اننا نبحث في تلك الآثار السلبية التي تضعها بعض الاطراف كحجج لعرقلة تنفيذ القرار. واذا اردنا ملاحظة مدى التأثير في ادارة هذا الملف بعد تغيير ادارة البنك المركزي القديمة بأخرى جديدة، فان الادارة السابقة كانت متحمسة للقرار وهي حماسة لا نجدها في الإدارة الجديدة، ولعل السبب إنها ادارة جاءت مدعومة من الحكومة والاخيرة كانت من معارضي القرار، ما يمكننا من الوصول لاستنتاج مبدئي مفاده أن ليس ثمة نية في تحرك البنك المركزي بشكل جاد نحو تنفيذ قرار رفع الأصفار من العملة. اليوم وبعد سنوات من التطورات الاقتصادية والسياسية، يمكن أن أقول إننا تقهقرنا الى الخلف في اتخاذ وتنفيذ قرارات وخطوات جريئة كنا قد قمنا باتخاذها في السابق، واقصد أن العراق بعد سنة 2003 قام باتخاذ بعض القرارات التي لا يستطيع تكرارها حاليا. سياسياً، اليوم خضنا الانتخابات، لكن مع تخلف في محافظتين، يبدو أن الحكومات؛ سواء المركزية أم المحلية، تراجعت في ملف فرض الامن هناك، وهو امر لم نشهده في خمسة انتخابات ماضية. اقتصاديا، اتخذنا في السابق قرارات غاية في الأهمية لا نستطيع أن نخطو مثلها حاليا، خذوا مثلا قرار رفع الدعم عن أسعار المشتقات النفطية، في نهاية ولاية السيد الجعفري، والذي أثار جدلا حينها، او قرار آخر مهم يتعلق بالبنك المركزي، وهو استبدال العملة العراقية القديمة.. والذي خلصنا من كل وجع رأس تلك العملة، وادخلنا في هدوء طويل الامد مع العملة الجديدة. فرضيتي الاساس هي اننا تراجعنا عن اتخاذ القرارات الهامة والصائبة واظن ان الامر يعود الى اكثر من سبب، الاول ابتعادنا في ادارة اقتصادنا عمن كان يوجهنا ويراقبنا من المنظمات الدولية خاصة صندوق النقد والبنك الدوليين؛ وهو امر ارجعه الى ثقتنا المفرطة بنفسنا.. اما الثاني فيتعلق بالصراعات السياسية التي عصفت بالبلد وازدادت عمقا يوما بعد آخر، بحيث انها شلت اي اصلاح اقتصادي، ولم يعد متخذو القرار يبالون ويصغون للصوت الاقتصادي، بل صار الأخير حلبة واسعة للصراع السياسي. |