الفساد السياسي /الاجتماعي /الاقتصادي /الاداري و.... يؤدي إلى زعزعة القيم الأخلاقية القائمة على الصدق والأمانة والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص وغيرها، ويسهم في انعدام المهنية في العمل وانتشار عدم المسؤولية والنوايا السلبية لدى الأفراد في المجتمع، ويؤدي كذلك إلى انتشار الجرائم بسبب غياب القيم وعدم تكافؤ الفرص، والشعور بالظلم لدى الغالبية التي تؤدي إلى الاحتقان الاجتماعي والحقد بين الشرائح الاجتماعية وزيادة حجم المجموعات المهمشة. النزاهة" سلوك أخلاقي رفيع لا تستقيم الحياة إلا به، وهي خلق متمم لصفات الانسان السوي ، وسلوكياته الإيجابية، كما أن "النزاهة" تعني الحفاظ على المال العام، والحرص على حمايته وهذه المفاهيم تعني الرقابة على الذات، وهي أفضل من رقابة الجهات الرسمية، أو رقابة الأنظمة واللوائح. هيبة الدولة وإحترام قوانينها تعتمد على نزاهة العاملين فيها ومدى تمسكهم بإخلاقيات الوظيفة ، حيث يفقد المواطن ثقته بالدولة وعدالتها حينما يواجه فساداً إدارياً قد إستشرى في اجهزتها" وحينها تصبح مخالفة القوانين هي الاصل واحترام القانون هو الاستثناء ومن ثمَّ تفقد الدوله قوتها بعد أن فقدت ثقه المواطن بها. وينبغي بل يجب تطبيق القانون على الكل بغض النظر عن الانتماء السياسي والموقع أو المرتبة الاجتماعية، أي المفروض أن القانون لا يطبق على المواطنين فقط ولا يطبّق على أصحاب القوة والنفوذ وذوي المناصب والسلطة( يقول مونتيسيكو يجب ان يكون القانون مثل الموت لايستثني احدا)، لان عدم سيادة القانون تؤدي لا محال إلى الظلم والاستبداد في المجتمع، ويصبح أصحاب المواقع والنفوذ والمناصب العليا في الدولة هم وحدهم صانعي القرار، ومن ثم لا يحق للمواطنين المشاركة في ذلك أو الاطلاع على الكيفية التي يتم بها صناعة القرار، ومن الطبيعي أن يفتح هذا الوضع الأبواب على مصارعها لتفشي الفساد والتعسف والاعتداء على حقوق المواطنين لصالح فئة قليلة، وتكرّس القرارات والقوانين من اجل خدمتها وتعزيز قوتها ونفوذها. يمثل الفساد قضية اقتصادية واجتماعية وسياسية ، ويترتب على الفساد خلل فى الكفاءة الاقتصادية ، نظراً لما ينتج عنه من سوء تخصيص الموارد الاقتصادية وسوء توجيه الاستثمارات ، فضلاً عن إعاقة الاستثمارات والتراكم الرأسمالى ، ومن ثم ، يعوق عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، بالإضافة لما يترتب عليه من خلل فى توزيع الدخل والثروة بين أفراد المجتمع ، فضلاً عما يترتب عليه من عديد من الآثار السلبية اجتماعياً وسياسياً وتعوق تلك الآثار عمليات الإصلاح ، ولذا أصبحت قضية الفساد من القضايا التى تشغل بال الجميع ، نتيجة لزيادة حجم الفساد واتساع دائرته وتشابك حلقاته وترابط آلياته بدرجة لم يسبق لها مثيل من قبل . هيئة النزاهة العامة كمؤسسة رقابية معاصرة لها اهميتها القانونية والسياسية والاجتماعية ، تكون في اشد الحاجة الى مجموعة التفاعلات والجهود والانشطة والبرامج المتواصلة مع كافة العاملين في الوزارات والمؤسسات من جهة ومع المجتمع ككل من جهة اخرى ، وكل ذلك لايتوفر الا بوجود ادارة حقيقية وفاعلة من العلاقات العامة التي لها اهميتها الكبيرة في بناء اسس راسخة من المبادئ الخاصة بالنزاهة وتوعية المفسدين باتباع المنهج السليم الوطني بعيدا عن الممارسات المشبوهة في ممارستهم للسلطة الممنوحة لهم ، وبصورة عامة تنبع اهمية العلاقات العامة في مكافحة الفساد الاداري والمالي وفي دعم مبادئ النزاهة من خلال الوسائل والاساليب المتبعة في التخطيط لبرامج العلاقات العامة في الهيئة ومتابعة تلك الخطط في ضوء دراسات وبحوث علمية رصينة معتمدة على القياس والتحليل الاحصائي والعلمي للاسباب والمسببات وتشخيص مواقع الخلل والتعثر الوظيفي للعاملين في الوزارات والدوائر الحكومية وغيرها. مؤسسات النزاهة ومكافحة الفساد هي مؤسسات رقابية تتحقق من عدم النزاهة وتكافح الفساد وقائياً وواقعياً، لكنها ليست الجهة التي تحقق في مجرياته وتطالب بإجراءاته الجزائية، وإنما ذلك مناط بجهة مختصة هي هيئة التحقيق والادعاء العام (النيابة العامة) التي يفترض أن تكون فيها دائرة خاصة للتحقيق في قضايا الفساد من خلال قضاة التحقيق المأهلين معرفياً في تشكيلات الفساد وتطوراته. أما الجهة العقابية فهي العدالة القضائية من خلال المحاكم الإدارية والمحاكم الجزائية، التي يفترض أيضاً أن تكون فيها دوائر خاصة بقضايا الفساد في كل درجات التقاضي الابتدائي والاستئناف والنقض. مبدأ ترسيخ مفهوم "النزاهة" لدى الاجيال ، سيحمي البلاد من آفة الفساد، التي أنشئت من أجلها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. مما لا شك فيه أن مستويات الفساد وأشكال ممارسته وصلت حدودا لا تطاق وأدخلت العراق في حالة من العبث جعل معظم المواطنين على قناعة راسخة بأن الشعارات التي ترفعها الدولة لن تجد طريقها السليم نحو التطبيق . ويزيد هذه القناعة رسوخا انحدار العراق إلى الدرك الأسفل في كل ترتيب يخص التنمية البشرية أو محاربة الفساد . كما يزيد المواطنين يأسا الوقائع والممارسات التي يرونها أينما تنقلوا بين إدارات الدولة ومصالحها . يختلف شكل الفساد حسب الجهات التي تقوم به، أو المصالح التي يهدف إلى تحقيقها من يقوم بالفساد، فقد يمارسه فرد أو جماعة أو مؤسسة خاصة أو مؤسسة حكومية أو اهلية، وقد يكون الهدف من ورائه مصالح مادية أو مصالح سياسية حزبية أو مكاسب اجتماعية. ونظرا لامكانية وجود الفساد في كل جوانب المجتمع وفي أجهزة الدولة ونظرا لتعدد أسبابه فان مكافحته تتطلب منظومة متكاملة (خطة شاملة ومستمرة) تشارك فيها كل مؤسسات المجتمع العامة والأهلية والخاصة للعمل على تقليل الفساد وتقليل المجالات التي تساعد على إيجاده، وتعزيز طرق اكتشافه عند حدوثه، ووضع إجراءات وعقوبات رادعة على من يسلك هذه السلوكيات. وتتبنى خلال هذه المرحلة منظمات المجتمع المدني تنفيذا لبرامجها وخططها في التوعية والتثقيف والتدريب مستهدفة فئات مختارة من الموظفين والمحاسبين والقانونين والتربويين والإعلاميين للتحاور حول طرق وأساليب مكافحة الفساد, والعمل على وضع قواعد قيمية سلوكية للعاملين وللمواطنين . بالاضافة إلى القيام بالمهام المحددة للمشاركة العملية لمنظمات المجتمع المدني لمناهضة الفساد من خلال الرصد والمتابعة وتقديم البرامج واقتراحها وتوفير خدمات الوصول للمعلومات, والقيام بالمسوح التقييمية والدراسات والأبحاث, ووضع المعايير الخاصة بالقيم المهنية ومواثيق الشرف المهني والتجاري والأمني والقيام بممارسة أدوار التأثير الإيجابي على صناع القرار والمشرعين وأجهزة النيابة والقضاء وأجهزة الضبط الإداري الأخرى من أجل تعزيز مستويات النزاهة.وتتطلب محاربة الفساد إنزال عقوبات رادعة بمن يتصف بالفساد، ومن ضمن هذه العقوبات الحرمان من التأييد الشعبي للأفراد الذين يشاركون في الفساد في الوظائف العامة. وعلى منظمات المجتمع المدني إعداد الدراسات والبحوث ووضع مقترحات الإجراءت وتقديمها للحكومة من أجل العمل على تطوير الأطر والوظائف الخاصة الداعمة لاستقلالية أجهزة الشرطة والقضاء والنيابة العامة عن سلطة الحكومة, بأن تكون هذه الأجهزة مستقلة تماما وفي منأى عن التأثيرات السياسية, واستبعاد أن يكون التوظيف فيها على أسس غير مهنية كالتبعية العصبوية بأشكالها السياسية والمناطقية والمذهبية والفئوية. كما ينبغي أن تتجه المنظمات المدنية من خلال برامجها التوعوية الهادفة إلى ضمان استقلالية الأجهزة الأمنية والبحثية بحيث تكون أدوات محايدة خاضعة للمساءلة والتفتيش والمتابعة من قبل أجهزة الرقابة التشريعية والحقوقية لضمان استبعاد لجوء هذه الأجهزة لاستخدام الوسائل والطرق المحرمة أثناء تأدية واجباتها, وللحيلولة دون خضوع هذه الأجهزة للضغوط السياسية والاجتماعية. الشباب هم المستقبل الواعد لأي أُمة تنجح في التواصل معهم ، ومعرفة احتياجاتهم وطموحاتهم، والمرحلة اليوم تتطلب الاهتمام بشريحة الموظفين الجدد لكي تنجح برامج الإصلاح الإداري وتحقق المأمول منها ضمن منظومة العمل المحلية ، بهذه الرؤية الواضحة والاعتناء بالموظفين الجدد من خلال غرس الانتماء في نفوسهم ، والتأهيل المناسب ، و تعزيز ثقافة المنافسة الإيجابية والتميّز والإبداع في العمل ، وتوفير بيئة وظيفية مناسبة تسمح باستثمار إمكانياتهم وقدراتهم في تطوير الأداء وتشجيع المبادرات الايجابية بما يعود بالنفع والفائدة على المنظمة بشكل عام ، مع التأكيد على أن كل ذلك لن يجدي نفعاً ما لم تتوافر القدوة الإدارية الواعية والمدركة لأهمية استحضار قيم العمل في جميع تعاملاتها مع مرؤوسيها كحسن المعاملة ، والإصغاء لاقتراحات ومطالب الموظفين ، والحرص على الأمانة والنزاهة ، و مراعاة وقت العمل ، والالتزام تجاه الأنظمة واللوائح ، والحرص على تطوير المهارات الوظيفية لجميع العاملين. والعلاقة بين تطور المجتمعات الإنسانية والتزامها بقيم العمل وضوابطه علاقة تكاملية تتجسد فيها معاني الانتماء والحرص على أن تكون الصورة العامة بالشكل الذي يشرّف المجتمع ، بمعنى أنها تفرض التزاما على كل فرد بأن ينخرط في نسق معين تحدده المسئوليات والأهداف والغايات الاجتماعية التي تصب جميعها في صالح المجتمع ، وبالتالي فلن تجد الأفراد يسيرون كل في اتجاه مخالف للآخر بل أنهم جميعاً يعملون وفق روح واحدة تجمعهم غاية واحدة هي ازدهار وتقدم هذا المجتمع من خلال المحافظة على قيم العمل ، ولعل نظرة خاطفة لتجارب بعض الدول المعاصرة كدول اوربا التي نهضت بعد الحرب العالمية الثانية, هذه التجارب تعطينا مدى الأثر الذي يحدثه التمسك بقيم العمل وأثرها في تطور المجتمعات .
|