الشهيد الذي حَلَّق وقوفاً |
كان قلبي حائراً مرتبكاً حد الموت لايعرف هل يقفز فرحاً أم يموت حزناً . كانت أطراف جسدي كلها ترتعش كأنها شارفت على النهاية في هذا العالم المشبع بالدمار. كانت روحي على وشك ألأفول من هذا الزمن المرعب..زمن الوحشية في قلوب البعض من الفئات البشرية. فضل الله سبحانه وتعالى ألأنسان على كافة المخلوقات التي خلقها لكنني أجد أحياناً أن ألأنسان لايرحم أخيهِ ألأنسان في صورٍ متعددة يندى لها جبين ألأنسانية في كل زمانٍ ومكان . حينما تابعتُ اللقاء مع الذين دمروا حياة إنسان في لمح البصر وعلقوه في جسرٍ من جسور العراق النازف جراحاً في كل ألأتجاهات أدركت كم أن ألأنسان وحش لايرحم في بعض الحالات التي تمر به وبمن حوله. وأنا أتابع اللقاء الذي بثته الشاشة المرئية عن أؤلئك الذين رسموا أقسى صورة من صور التصحر الروحي وألأنساني وهم يعلقون جندياً جريحاً في جسرٍ صنع لخدمة ألأنسان وليس لنحره . الشهيد الذي أتحدث عنه أصبح إسماً لامعا في تاريخ العراق الحديث . صورة مخزية وعاراً لكل من شارك فيها وكانت النتيجة عراقياً- مذبوحاً ينتمي الى هذه ألأرض التي ندافع عنها بدمائنا وأرواحنا لأنها هويتنا وعلمنا منذ أن نشأنا عليها جميعاً. منذ اللحظة التي ظهرت فيها صورة الشهيد وسمعت بالقصة المأساوية التي حدثت له وأنا أحاول أن أكتب عن الموضوع أي شيء لكنني لم أستطع لأن المشهد كان يحطم آخر ماتبقى في روحي من مقاومة للحديث عن ذلك الحدث الكبير, إلى اللحظة التي شاهدت فيها ذلك اللقاء – حيث تم مسك من غدر بالشهيد – أشعر أن معناوياتي ترتفع رويدا رويدا . لاأتحدث هنا عن طائفة أو دين أو قبيلة أو معتقد ديني لكنني أتحدث عن إنسان مهما كان عرقه أو جنسه – هو إنسان له تاريخ وحاضر ومستقبل – . كنتُ أتخيل لو أن الصورة المأساوية قد تغيرت الى صورة أخرى – إحتضان ألأنسان ومعالجتهِ وإطعامهِ وكسوتهِ وإعادتهِ الى أمهِ وأبيه وأخته وأخيه وعائلتهِ ولكل من يعرفه وراح يتحدث لنا عن معاملة إنسانية كريمة تجاه ألأنسان – ماذا ستكون النتيجة عندها؟ سؤال كبير جدا يدور في ذهني ً. السؤال الذي يلح دائما على ذهني المرهق ليلاً ونهاراً . مالذي جناه الجناة من هذا العمل الشنيع؟ هل إحتلوا كل البلاد لأنهم قتلوا جندياً جريحاً مختبأً ينشد بقاء الروح على قيد الحياة؟ هل حصلوا على كل هدفٍ كانوا يريدون الحصول عليه؟ من خلال قرائتنا للتاريخ عرفنا أن الرسول الكريم لم يقتل أسيراً من ألأسرى الذين أسرهم في كل الحروب. لاأعرف لماذا لم يتبعوا سيرة الرسول في هذه الحادثة , هل هم ينتمون الى الدين ألأسلامي أم يتبعون ديناً آخر؟ لو أنهم تركوه أو أعادوه الى أهلهِ لكانت لهم أعظم دعاية إعلامية في التاريخ الحديث لكنني ومن خلال هذا العمل أشعر أنهم إنسلخوا من كل نوع من أنواع الرحمة. كلنا سنموت القاتل والمقتول لكن التاريخ سيبقى مادامت هناك حياة على كوكب ألأرض. في كل الحروب تحدث قصص وحكايات مأساوية لكن الحكيم من يحول تلك الحكايات الى دعاية إعلامية تساعدة على كسب ألأطراف ألأخرى سواء المشاركة منها في النزاع أو البعيدة عن ذلك النزاع إلا أنني من خلال هذه الحكاية أيقنت أنهم لايعرفون معنى الدعاية ألأيجابية لهم فوقعوا في هوه سحيقة من الدعاية المضادة لهم . نحن نعرف من خلال مباديء ديننا ألأسلامي أن العفو عند المقدرة هي نقطة من نقاط القوة وليس الضعف . ماذا كان لو أنهم أحيوا تلك النفس البشرية حسب النص القرأني ” .. مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ” . لم يتذكروا هذه ألآية الكريمة لذلك تصرفوا بعيداً عن مفهومها العظيم. لو كنتُ رئيس العراق لشيدت أكبر كلية عسكرية في نفس المكان الذي قتل فيه – مصطفى العذاري – وبنيت أكبر جامعة دراسية وأكبر ملعب وأطلقت عليها جميعا إسم الشهيد الذي حلق صعوداً الى العالم ألاخر. الذين قتلوه سيقتلون وسيموتون كما مات الشهيد ولكن شتان مابين هذا الموت وذلك الرحيل . أنا لاأعرف الشهيد شخصياً ولاأعرف الى أي قبيلة ينتمي لكنني أشعر أنه أحد أشقائي الذين حلقوا في سماء الشهادة وقوفاً . تحية لكل شهداء العراق وتحية الى مصطفى العذاري ولكل من يعرفه شخصيا من ألأحبة وألأقرباء وألأصدقاء وإنا لله وإنا إليه راجعون. وماتدري نفسٌ بأي أرضٍ تموت.
|