ثورة أم نقمة ؟ |
يجمع الكثير من العراقيين على ان ما يسمى بثورة العشرين تعد فاصلة حاسمة في تاريخ العراق الحديث ، وانها علامة ايجابية في محاربة المحتل وتحرير العراق من الاستعمار … واستكمال سيادته وتحرير ثروته الوطنية الخ ، لكني شخصيا ارى عكس هذا الرأي تماما .. فهذه الحركة التي كانت مزيجا من الحماسة والانفعال وردة الفعل لإرادة زعامات عشائرية ودينية غير مستوعبة لمقتضيات المصلحة الوطنية وما كان عليه وضع العراق آنذاك في حاجته الماسة للاستفادة من بلاد كبريطانيا الدولة العظمى التي لا تغيب عنها الشمس في ذلك الوقت ..
واسرد اسبابي وكما يلي :
اولا : كان العراق يمر بأسوأ حالة من التخلف والانحطاط الاقتصادي والاداري والاجتماعي .. فلقد كان تركة بائسة لاحتلال الدولة العثمانية التي ما كانت ترى شيئا غير مصالحها ونهب كل ما يمكن نهبه مما كان موجودا في العراق دون النظر الى اي شيء يقدم البلد خطوة الى الامام.. وهذا اتفق عليه جميع مؤرخي تاريخ العراق لفترة الحكم العثماني ..
ثانيا : ان قدوم الانكليز الى العراق على انقاض دولة بني عثمان الخاوية ابان انتهاء الحرب العالمية الاولى وعلى ضوء مقررات معاهدة سايكس بيكو كان قدوماً لمرحلة جديدة في بناء دولة حديثة ، فلقد جلب الانكليز معهم مجموعة كبيرة من الخبراء والفنيين الذين هم على درجة كبيرة من الخبرة في كافة جوانب المعرفة ، وعلى اثرها تم تأسيس مجلس الاعمار العراقي والذي وضع الخطوط الاستراتيجية لبناء وترميم العراق في كافة الجوانب الاقتصادية والزراعية والصناعية والسياسية والاجتماعية .. وقد باشر فعلا بالعديد من الخطط الطموحة في بناء خطوط مواصلات غاية في الكفاءة ومدت شبكة سكك حديد من الشمال الى الجنوب والعديد من الجسور التي لازال العديد منها ماثلا الى الآن اضافة الى تعبيد الطرق الصالحة للنقل البري وتحسين النقل النهري وبناء الموانئ في البصرة ..اما في الجانب الزراعي فلقد بوشر بوضع الخطط لنظام اروائي حديث يعتمد السدود والخزانات المائية في البحيرات المحلية ونظام بزل وغسل التربة .. من خلال تصريف المياه الى الاهوار ..
وتمت معالجة مشكلة الفيضانات التي كانت تسبب الدمار والخراب سنويا والى حد كبير .. وكذلك تمت معالجة الكثير من مشاكل الزراعة وتحسين نوعية المنتوج وخاصة التمور والتي اصبحت تشكل مصدرا مهما للدخل الوطني من خلال التصدير وانشاء معامل حديثة لتنقية وكبس التمور ..وغير ذلك الكثير في مجال الزراعة .. اما في مجال الصناعة فلقد بوشر في بناء صناعة حديثة وخاصة في مجال النسيج والصناعات النفطية .. والصناعات الوسيطة .. وعلى ايدي الانكليز تم اكتشاف النفط واستخراجه وتصديره بطرق حديثة وبشركات عملاقة تجيد العمل بأحسن الطرق العلمية المتعارف
عليها آنذاك وبنفس العقود التي كانت سائدة من دون ان يكون هناك استغلال سيء كما هو حاصل الان.. اما في مجال التربية والتعليم فلقد بوشر بنظام تعليمي هو نفس النظام الذي كان سائدا في بريطانيا وقد اسست وزارة المعارف لتدير هذا المجال بخبرات بريطانية وانتشرت المدارس في عموم العراق .. ولقد بوشر بأنشاء التعليم الجامعي واسست اول كلية طبية عراقية على ايد الانكليز وكان اول عميد للكلية الطبية العراقية انكليزي وقد خرجت امهر وانجح الاطباء .. اما في مجال النظام المصرفي والمالي فلقد بوشر بتأسيس البنك المركزي العراقي واصدار العملة العراقية وربطها بنظام الاسترليني لتعطيها. الثبات والاستقرار والثقة العالمية العالية وكذلك فلقد اسست وزارة المالية التي اسندت الى الخبير الاقتصادي الشهير ساسون حسقيل والذي على يده نظمت الاسس المالية الحديثة للعمل في حقل الاقتصاد والصيرفة والتداولات المالية .. وعلى ايد الانكليز اسس اول جيش وطني عراقي ولا زالت اللمسات الانكليزية سائدة حتى الان في حقل الجندية العراقية .. وكانت القواعد.الانكليزية التي اسست في الشعيبة والحبانية نموذجا في المعسكرات الحديثة انذاك.. اما في الجانب السياسي والاداري والتنظيمي فلقد كان لهم الفضل في تأسيس اول نظام برلماني عراقي وقد كان لإنبثاق مجلس الامة ، والذي كانت له صلاحيات تشريعية نافذة في تشريع القوانين ومراقبة السلطة التنفيذية مما كان له السبب في التداول السلمي للسلطةوكان رئيس الوزراء وكابينته الوزارية تتغير بكل يسر فيما اذا كان قد فقد شروط الالتزام بالدستور .. وكان العمل الاداري يسير وفق
انضباط عالي الدقة ولا تشوبه شائبة ولم يظهر على السطح فساد ما ..
وكانت الاحزاب تعمل بكل حرية وفقا للمصلحة الوطنية .. وكانت الصحافة سلطة رابعا بكل معنى الكلمة ترصد كل جوانب نشاطات
الدولة وتنتقد وتصوب ويخاف بأسها .. وكان للإنكليز الفضل في انشاء المطابع العديدة مما سهل طباعة الكتب والمجلات والجرائد وانتشار
الثقافة على نطاق واسع.. كان المواطن حرا في رايه ومحترم في بلده على الرغم من ان الناس كانوا على جانب كبير من التخلف وانهم ليس لديهم
الامكانية في معرفة حقوقهم والتمتع بحرياتهم ..
هذا قليل مما قدمه الانكليز في فترة توليهم السلطة في العراق .. انا لا اقول ان الانكليز هم انبياء وجاءونا من السماء ولكن عندما تلتقي المصالح مع هكذا قوة عليك ان تكون ذكيا في اصياد الفرصة واغتنامها وبناء بلدك..
واسأل العقلاء كما اسأل نفسي دائما لو كان الانكليز معنا الى الآن هل كان وضعنا كما هو الآن …..؟؟؟
هو رأي لا اكثر ارجو ان لا يتطير منه الآخرون الذين اختلف معهم بالرأي ..
وسأكون شاكرا لكل رأي مهما اختلف معي .. ربما يرشدني الى الصواب
|