حين يبقى الصالحون مكتوفي الأيدي

عبارة قالوها سابقا، وهي تصلح لكل الأزمان والأماكن والظروف، هي عبارة: (كل ما يحتاجه الشر لينتصر.. أن يبقى الصالحون مكتوفي الأيدي). ومن يتمعن في فحواها جيدا، يتوصل الى حقيقة الإجابة عن تساؤل أقلق العراقيين كثيرا، وتعاملوا معه بحيرة واستغراب شديدين، ذاك السؤال هو ما السر الكامن وراء تقهقر القوات العسكرية والأمنية في حزيران عام 2014 في محافظة نينوى، أمام عصابة او شرذمة من الشراذم التي لاتمتلك عقيدة تدافع من أجلها.. ولا دينا تستند على تعاليمه.. ولا نهجا سويا تنتهجه.. ولا قضية تؤمن بها وتستميت من أجلها؟. تلك هي عصابات داعش التي أثبتت أمام العالم أجمع -حتى صانعيهم ومموليهم ومسانديهم- أنها لاتدخل أرضا إلا لتعيث فيها فسادا.. وتسفك الدماء.. وتهتك الأعراض.. وتخرب الديار.. وتحرق اليابس والندي.. وتسرق ماخف وزنه وما ثقل، ومازاد ثمنه وما قل على حد سواء. وقطعا أول من استشعر بخطورة هذه العصابات هم شيوخ آل سعود أنفسهم، بعدما لاحت رؤوس حراب داعش، وهي تلوح للوصول الى رحمهم الأم عقر شبه الجزيرة العربية، ومن المؤكد ان الهدف هذه المرة سيطال ما تضمه مكة المكرمة، وكذلك المدينة المنورة -وهذا ديدنهم ودأبهم- وتشهد لهم بهذا المراقد والمزارات والمقامات، وبيوت الله في سوريا ومحافظات العراق لاسيما الموصل، أي أن السحر ينقلب على الساحر ولو بعد حين.
ولا أظن أن العراقيين -بقلوبهم الطيبة- يرضيهم هذا الفعل، على الرغم مما جنوه من هذا الجار طيلة الثلاثة عشر عاما الماضية، فالعراقيون من المسلمين لهم ولاء مطلق لدينهم ولعقيدتهم ونبيهم وأئمتهم، سواء أسنّة كانوا أم شيعة! ولرموز الطائفتين مكانة معززة مكرمة عند الطرفين -الأسوياء منهم حصرا- كما هم يقدسون جميع الأديان السماوية، وللكتابيين حقوق كما هي حقوق المسلمين، بل هم يحترمون الأقليات من الطوائف الأخرى التي تعايشوا معها منذ نشوء حضارة وادي الرافدين حتى اليوم. ومن غير المعقول قطعا قبولهم بأن تمس قوى الشر كعبتهم وقبلتهم، او مسجد نبيهم صلوات الله عليه وآله وسلامه.
إن السنتين المنصرمتين اللتين عاشهما العراقيون وخاصرتهم تحتلها عصابات تنظيم تكفيري إرهابي دموي، لم تمرا سهلة عليهم، وقد أوصلتهم الى يقين أن سكوت الصالحين عن التجاوزات الجامحة والسافرة التي تقوم بها عصابات داعش في محافظات العراق، لاتقل ضررا عن أدوار الطالحين الذي أسهموا باموالهم او أقوالهم او أفعالهم.. او بخيانتهم وتواطئهم، والتي أدت بمجملها الى توفير مواطئ أقدام للأوباش القادمين من ظلمات التأريخ وعصور الجهل والضلالة، او من رحم الوهابية المتمركز في جسد آل سعود، وكأنهم في حملة تترية مغولية مكملة لتلك التي قام بها هولاكو.
فالمتصدرون سدة الحكم وأصحاب القرار هم في حقيقة الأمر أمتداد لحالتين، إما أن يكونوا خيرا للعراقيين، أو أن ينقلبوا الى شرور بعد أن اتكأ المواطن على اختياره إياهم بعمليات انتخابية ثلاث. وبتحصيل حاصل للعمليات العسكرية التي تجري الآن في المناطق المسلوبة، فإنها حتما ستصب في صالح العراق والعراقيين، مادام الشبح الذي أقض مضجع الآمنين في محافظات الموصل والأنبار بدأ ينقشع موليا أدباره الى جهنم وبئس المصير، ولن يخفى على أحد بعد هاتين السنتين المريرتين ما دور ساسته المترئسين حكمه، والمتحكمين بقرارات البلد، فالشر والخير مسكونان طبيعيا في نفوس كل منا، ويبقى على من يولى أمر قوم أن يحكّم الجانبين، وأن يظهر مايسره أن يراه في دنياه، وما يلقاه في آخرته، وقادم الأيام في الساحة السياسية هو محك الصالح والطالح منهم.