الإنفجارات والوعيد وحول الصحون ثريد!!

بعض المجتمعات تدور في دائرة مفرغة من الإنفجارات والوعيد , وقبل أن ينتهي ذوي الكراسي من توعدهم بالقصاص من الفاعلين , يحصل إنفجار ويعقبه توعّد , وتمضي التفاعلات بنمطية راسخة , وآليات متكررة لا تستطيع الخروج من قبضة الدوران , وكأنها منوّمة أو مُدوّخة بأفيون الفئوية والكراسي السلطوية.
وفي هذا المعترك الدوراني المخبول , يتناسى السائل والمسؤول جوهر العلة ومربط الفرس الذي يصول , وتمضي عجلات التداعي والثبور في أقصى سرَعها , وأعظم تأثيرها وسلبيات ما فيها وعليها , فتلقي بأحمال الشرور والكراهية على أبرياء يريدون بعض حياةٍ في وطن مقهور , يرقد على صدره مأجور , ويكتم أنفاسه منكور.
ويبدو أن هذه المجتمعات قد إعتادت على الويلات وإستلطفت المقاساة , وأدمنت الأنين والتمتع بدخان الآهات , والكراسي في نعيمها الوارف المتألق في حصون العزلة وممارسة طقوس الطاعات , والتقرب لذوي السيادة على مصير الحاكمين بأمرهم , والداعين لنهجهم والمتكلمين بلغتهم والذين هم صدى لصوتهم , ومنفذين لأمرهم.
ولهذا فأن العلاقة ما بين الإنفجارات والتوعدات , كالعلاقة ما بين الحرامي الذي يسرق بأمر من القاضي , فعندما يحين وقت المقاضاة يجد القاضي مخرجا شرعيا أو قانونيا لتبرئة الحرامي.
وما دام كل شيئ يُمتطى للوصول إلى مبتغى , فلا خير في أي نظام يحكم بآليات الإمتطاء , ويسوقه سوط الإصطلاء بحميم التورط بالأخطاء تلو الأخطاء , فيغيب المنتهى ويضيع خيط الإبتداء.
فاين الخلل في متوالية الإنفجارات والتوعدات؟!!
العلة في نمطية التفكير الخاطئ الذي تتمترس فيه الكراسي ولا تحيد عنه , كما حصل للكراسي السابقة التي إندحرت في نمطيات وتصورات منقطعة عن واقعها , وخالية من البحث والدراسة والتقييم والتواصل مع زمانها , وإنما تحجّرت وتعفنت فانقرضت وبادت , وهذا ما سيحصل للذين لا يخرجون من أسر النمطيات البالية.
فما أن تتساءل لماذا الإنفجارات , حتى يأتيك الجواب التقليدي المتكرر الفوري والمتأسن في الرؤوس والنفوس , وخلاصته أنهم وأنهم , وما عليك إلا أن تتفنن بالمسميات والأقمصة والشماعات , لتتبرأ من المسؤولية وتتبجح بالتوعد والتهديد , الذي يعدّ الواقع لإنفجار جديد , ويمضي ناعور الوبلات بدورانه , وثيران الوجود السقيم تتحرك جيئة وذهابا في دائرة مكبّلة بحبال هواها.
فالإنفجارات تقتل الأبرياء والتوعدات تقتل الأبرياء , وتلقي بهم في متاهات المعتقلات التي تنتهك الحرمات وتستثمر بالآهات والمقاساة , وهذه دائرة مفرغة أخرى يموت فيها الأبرياء والأبرياء , وهذا ما تنجزه الإنفجارات والتوعدات , والصحون فارغة والجميع يثردون حولها , والناس جاعت وإستغاثت , والثاردون يأكلون والجائعون يتضورون , وإن أرادوا لقمة عيش سعيد داهمتهم الإنفجارات , وطاردتهم التوعدات , وتلقفتهم القبور والمعتقلات.
فإلى متى سترعوي الكراسي , وتفكر بمفردات وطنية إنسانية , وتتحرر من الأوهام المذهبية والتصورات البهتانية , وتفكر مثلما الدنيا تفكر , وتبتعد عن رؤى ذوي العاهات والتطلعات الخسرانية , المنقطعة عن زمانها ومكانها , وهي تسعى لإفناء ما يُراد إفناءه من أنوار الحياة؟!
وإلى متى سيبقى البعير معقورا على تلّ المساومات؟!!
وهلْ مِنْ مَحبّةٍ وطنية شافية؟!!