هل يتغير الحال في البرلمان؟

اقرت الاحزاب والكتل النيابية ان قرار المحكمة الاتحادية ملزم لجميع الاطراف وانها ستعمل على تطبيقه ولكن لم تقل لنا كيف؟ وهو ابقى الاوضاع على حالها من انقسام وتنافر والغريب ان الكتل رحبت بالقرار وعدته قراراً (تاريخياً) ومنصفاً وليس منحازاً، لان كل فريق من الفريقين المتخاصمين كان يعتقد ان المحكمة ستنحاز الى الجانب الاخر بحكم التجربة السابقة معها، ونسي ان الظروف تغيرت ولم تعد مثلما كانت عليه في زمن الحكومة السابقة والانحياز لا يمكن هضمه من أي طرف كان. الى جانب انه سيلحق ضرراً بليغاً بالقضاء كله، ويضعه في مواجهة لا يمكن ان تحقق له شيئاً وانما تعمق الرأي السلبي السائد عنه في  الاوساط الشعبية وقطاعات واسعة من القوى السياسية، فأختار حكماً لا يزعل احداً ويرضي الجميع، ولهم ان يفسروه كل من زاويته.
على اية حال، سيلتئم مجلس النواب وسنرى الصراعات من جديد وعلى حساب المصالح العامة للشعب والوطن ما لم يتخل النواب عن المتاريس الفكرية والسياسية ويؤمنون حقاً بالاصلاح الشامل والاقرار بفشل الدولة التي بنيت. الواقع ان الحال لن يستوي اذا لم تطرح افكار جديدة وحلول لاجتثاث الفساد بكل اشكاله وانواعه والعمل بروح نقدية الامر ليس باليسر ولا تزال القوى النافذة في السلطة والمتشبثة بمواقعها قوية لم تتداع اركان سياساتها، تحتاج الى مزيد من النشاط والفعل ووضوح الرؤية لدى قوى الاصلاح والتنسيق فيما بينها وثباتها على نهج المشروع الوطني ونبذ تقاسم السلطة والمسؤولية على الاسس والولاءات المتخلفة، من مذهبية واثنية، وطائفية سياسية في القضايا الوطنية الكبرى.
ان توظيف الحكم القضائي يتطلب التوجه الى الجمهور اولاً لكي يستدام ضغط الشارع بقوة وفاعلية مؤثرة وايجاد الوسائل المشروعة والسليمة لمحاصرة المتحاصصين وغيرهم، الى جانب التفاهم الجاد والبعيد عن المكاسب الفئوية الضيقة مع اعضاء  من الكتل النيابية الاخرى فرادى ومجتمعين لادراك اكبر قدر من التغيير، ولاسيما في المسائل العقدية التي يمكن ان تفتح المجال واسعاً لاجراء تغييرات اخرى اوسع واشمل في البناء السياسي والقانوني للدولة ولاستكمال مشروعها المتعثر منذ عام 2003 او الذي دفع بالفشل والتراجع واثار من المشكلات الكثير.
والمسؤولية يقتضيان ان لا يلهى شعبنا بصراعات لا طائل منها، ومحاولات لشخصنة الامور ونقاشات بشأن الحكم والاستفادة منه وتوظيفه في خدمة الاهداف الخاصة. الناس يتفحصون المواقف ويتوقفون عند القضايا وسيذكرون بها  وسيحاسبون عليها ، ويتوهم من يعتقد انه سيتمكن من الضحك والالتفاف عليهم  مثلما كان يفعل، فاذا تمكن مرة فانه حتما في الثانية سيجد من يتصدى له، وتقل الثقة بافعاله.
الان النواب امام مفترق طرق، لتكوين كتلتين متمايزتين الاولى مع الاصلاح والاخرى ضده وان لم تستطع الجهر به، يحكم عليها عند تشريع القوانين الاساسية التي تعطي دفقاً للعملية السياسية وتساعد على تقدمها الى الامام. كما ان البرلمان سينقسم على موالاة ومعارضة، ولكن  لن يكون هذا التقسيم مثلما هو متعارف عليه في بقية التجارب والبلدان الديمقراطية لان البناء البرلماني مشوه ونتاج المحاصصة البغيضة والمهم العمل على ان تكون الاصطفافات في كل قضية على حدة نحو سن تشريعات مقنعة على مدى طويل لا يجرى عرقلتها قبل ان يجف حبرها وتخزن في ارشيف الحكومة والجهات الاخرى.
 من هنا الخوف والقلق المشروع من ان نصبح في حال ابو زيد كأنك ماغزيت لقدرات الالتفافين والمسوفين للبقاء اسرى الماضي.