بعد التفجيرات الاخيرة .. المسار الارهابي الى أين؟

كثيراً ما نوهنا في مقالاتنا السابقة بشأن ضرورة التطابق الميداني بين جبهة المواجهة والجبهة الداخلية بعدِّهما استراتيجية المواجهة وعمقها ولعلاقتهما العضوية ببعض ولأن تأثيرهما يمتد نحو متانة الصمود ودرجة تماسكه وهو مما له تداعياته اللوجستية والمعنوية على اكثر من صعيد خاصة في ظرفنا الدقيق والحساس راهنا اذ تواجه البلاد تحديات جسيمة وخطيرة عند تكالب قوى الارهاب الداعشي وآثار الفساد المالي والاداري فضلا عن المشكلات السياسية التي تحوم في سماء البلاد كغيوم لا تريد ان تنقشع لأسباب موضوعية وذاتية تنطوي على مصالح متغيرة وهي نابعة من حالات فقدان الثقة السياسية بين الفرقاء التي ادت نتائجها الى غياب التنسيق الوطني وضياع بوصلة اتجاهها والسؤال الذي يلح هنا لماذا غياب التنسيق الوطني في وقت امست حاجة البلاد اليه ضرورة؟ .
من المفيد معرفة إن التنسيق الوطني ليس مفردة جاهزة للتداول بتجريده من مضمونه الأساسي كنقطة توازن مجتمعي وسياسي يتمثل بمشروع ديمقراطي حقيقي يجد صداه في الحوار والمواصلة وتحديد المشتركات وتطوير نتائجها في محك واقعي مستدام بحرص وقد ضاعت هذه العوامل في لجّة الصراعات واقدارها في المضي ببناء المشروع الديمقراطي بعد الفرصة التاريخية التي لاحت عقب سقوط النظام البائد في نيسان 2003 او بالنكوص والتراجع وتحويل المشروع الى اعتكاز سلطوي لم يعد يخدم احداً لعدم ملاءمته لواقع البلاد وتضاريسها فتاريخ السلطة في بلادنا تاريخ سيئ مليء بالهزائم على مستوى البلاد والانسان التي لم تجن البلاد من ورائه اية فرص للبناء والتنمية والتطور برغم الشروط الموضوعية والامكانات المادية والبشرية مثلما لم يجن ابناؤها سوى كوارث الحروب والتشرد والصراعات.
ويفصح تاريخنا الحديث والمعاصر عن الكثير من الوقائع والاحداث المؤسفة والمؤلمة فهل بتنا بحاجة لتكرار دروس الماضي الأليم والعقيم واذ لاحت فرصة تاريخية نادرة لأعادة تركيبه على اسس جديدة تماشي اشكال الحياة في المعمورة وتضعها على طريق البناء والنهضة واحتلال مركز للتوازن الاقليمي والدولي فكيف وكم استطعنا توظيف هذه الفرصة بعد الآلام والمخاضات.
ان واحدة من مآسي البلاد تكريس الانقسامات في البلاد وقد كمنت خلفها السياسات السلطوية التي أعتاشت عليها لتمويل مشروعها على حساب البلاد والعباد.
ان التضامن المجتمعي عامل من عوامل الاستقرار السياسي والأمني والبعد الاكثر خطورة في أية مجابهة. غياب الاستراتيجية الأمنية هو مفتاح عدم الاستقرار في البلاد لان غيابه يجعل الساحة مكشوفة امام قوى الارهاب التي لا تكف عن السعي الى خلخلة الوضع الداخلي واستباحة دماء الابرياء بناء على فلسفة القتل ومحو الحياة التي يعتمدها بأيديولوجيته الظلامية المقيتة فضلا عن اهدافه الاخرى التي لا تقل فظاعة وشروراً عن اجرامه.
ان تحقيق الأمن والاستقرار يحتاج الى جهود استخبارية ومخابراتية فعّالة وكان يمكن خلق اجهزة رصد كفوءة طوال السنوات الماضية عبر بناء جهاز وطني فعّال يجاري ألاعيب الارهاب وتطلعاته التخريبية ويمنع شروره فضلا عن ان العمل الأمني عمل نوعي لا يعتمد على تحشيد اعداد كبيرة من القوات كما هو الحال في انتشار نقاط التفتيش في كل الساحات والميادين في العاصمة من دون ان يكون بأمكانها شّل حركة الارهاب وتنقلاته او الكشف المبكر لجرائمه والحّد منها ولا ندري ما الفائدة المتحققة من هذه الطوابير المتشرنقة منذ اكثر من عقد وبهذه الكيفية التي تجدد نفسها بعين الاساليب على وفق نمطية لا طائل من ورائها ولا نفع.
إن هذه الاعداد من القوى الامنية والعسكرية يمكن توظيفها في منهجية عمل أمني واستخباري واضح ومتحرك بدلا من الجمود. حققت قواتنا المسلحة والبيشمركة والحشد الشعبي سلسلة انتصارات مهمة شكلت ضربة قاصمة للارهاب تمهيداً لتطهير بلادنا من دنسه وفي لحظات تاريخية كهذه لابد من الحزم والتنظيم والمثابرة وان تبقى العيون الأمنية يقظة وحيّة لان الارهابيين يلجؤون في اوقات كهذه الى ألاعيبهم الارهابية في استهداف المدنيين العزل فضلا عن محاولات خلق الفتن من أجل إحداث شرخ في طبيعة المواجهة وعلى طريق هذا الهدف تم استهداف المدنيين العزل في حادثتين منفصلتين كانت الاولى في منطقة الكرادة والتي راح ضحيتها المئات من المواطنين بلحظة ارهابية خاطفة تستدعي اعادة النظر بكامل المنظومة الامنية ومؤهلاتها اذ ان التفجير يعّد عملية ارهابية نوعية لم تسبقها عملية بهذا المستوى من الضحايا والتدمير فمن المؤسف ان يطّور الارهابيون ادوات فتكهم فيما تبقى القوات الامنية تراوح مكانها من دون أن تطِّور اساليب مواجهتها ومكافحتها لتسابق الأحداث وهو ما يلقي بالمسؤولية القانونية والاخلاقية على عاتق الحكومة الاتحادية التي لا يكفي معالجتها للامور بالاقالة فقط بل البحث في هيكلية المنظومة الأمنية وشوائب القصور والفساد فيها فأعباء الفساد المالي والاداري الذي أناخ بكلكله على الحكومة الاتحادية واثقلت تداعياته حركتها بأشكال متعددة قد اضاع فرص بناء حقيقية على مرِّ الاعوام السابقة كما خلق مشكلات وتحديات اقلها اضعاف القدرات المالية للبلاد ازاء متطلبات المواجهة العديدة والمتنوعة. الثانية كانت في بلد قرب مرقد (السيد محمد) واستهدفت الزوار المسالمين المؤمنين الذين سقط منهم شهداء وجرحى في محاولة يائسة للارهاب لخلق فرصة مواتية له لألتقاط الأنفاس التي أعتزم العراقيون قطعها من اجل درء شروره ومخاطره ومن أجل عالم أكثر سلاما.