ذئاب منفردة

لم يكن بالأمر الجديد أن تتبنى (الدولة الإسلامية) الحادث الإرهابي الذي اقترفه (محمد لحويج بوهلال ) في مدينة "نيس" الفرنسية، الفرنسي ذو الأصول التونسية وعادة إياه من "جنود" الخلافة بعد أن بايع "الدولة" على السمع والطاعة وبحسب المنظور الأمني الأمريكي والغربي فان هذا العمل الإرهابي الذي حدث في مدينة ""نيس"" جاء كعقوبة لفرنسا على موقفها الداعم للحرب ضد الإرهاب فضلا عن نيتها إرسال حاملة الطائرات شارل ديغول الى الشرق الأوسط للمشاركة في الحرب على داعش في العراق وسوريا؛ وجاء هذا الحادث المروع ضمن سلسلة أحداث إرهابية ضربت الأماكن العامة في أوربا والولايات المتحدة ودول أخرى إن لم يكن آخرها مطار بروكسل وتركيا وبنغلادش وقبلها في مدينة اورلاند الأمريكية والسعودية وما حادثة صحيفة (شارل ابيدو) الفرنسية الساخرة ببعيدة عن هذا التوصيف والحديث ذو شجون والقائمة تطول.
فان هذه الأعمال باتت تصنف امنيا وحسب المعطيات الحاصلة على الأرض في عموم أوربا وأمريكا، أنها بفعل الذئاب المنفردة (Lone Wolves) وهم بشكل عام يصنفون على أنهم إرهابيون يقومون بأعمال إرهابية مفردة وفي مناطق لايستطيع تنظيم (الدولة الإسلامية) أن يصل اليها او يهاجمها كجيش أو مجاميع مسلحة بل يعتمد على أفراد مرتبطين به عقائديا وهم ـ أي الذئاب ـ عبارة عن خلايا نائمة لايتجاوز أعدادها عن عشرة أفراد او اقل ولايرتبطون ارتباطا هرميا مباشرا بتنظيم الدولة كما يفعل المقاتلون في جبهات القتال حيث يتلقون الأوامر مباشرة من رؤسائهم و"الذئاب المنفردة" يكون عملها فرديا في الغالب بحسب التصنيف الأمني للإرهاب ـ تمييزا عن التصنيف الجنائي لهم ولأعمال يرتكبها مختلون نفسيا او عقليا ـ وغالبا ما يكونون من غير المشتبه بهم في التورط مع جماعات إرهابية إذ ينفذ أحدها عادة عملية واحدة ثم يختفي ولا يكون له أي سجل أمني سابق مع استحالة توقع العمليات التي يقومون بها ولا تبدو عليهم أي مؤشرات عدائية تجاه البلدان التي يعيشون فيها.إذ لايثيرون أية شبهة أمنية أو اجتماعية تلفت النظر إليهم بعد أن صدرت التوجيهات من التنظيم مباشرة بان على الذئاب المنفردة أن تتماهى مع المجتمعات التي يعيشون فيها وتبدو وكأنها أعضاء مندمجة فيه فعلا ،وهو مايثير قلق القيادات الأمنية في عموم أوربا والولايات المتحدة وباتوا يتوقعون أن يصبح هذا "التكتيك" الجديد - الذي لا يمكن التنبؤ بحدوثه من أقوى الأجهزة الأمنية كفاءة ـ أكثرَ بروزا في المستقبل، كون هذه الأجهزة في مواجهة عمليات فردية لا تستطيع توقع أين وكيف ومتى ستحصل الأعمال الإرهابية ؟ وليس لديها سجل معلوماتي عن منفذيها، ولا طرف خيط كفيل بإحباط ما سيأتي منها في قادم الأيام لأن المُخطط لكل عملية هو منفذها وذلك تطبيقا للتوجيهات التي أطلقها أبو مصعب السوري المنظّر لهذه الفكرة والمؤسس في أحد فصول كتابه الضخم «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية» الذي أنجزه في إطار ما سماه بـ «الجهادي الفردي» مستعرضاً فوائد هذه الطريقة للتنظيمات الإرهابية لجهة الحماية الأمنية وبعد أن اتجه تنظيم «داعش» الإرهابي إلى هذا التكتيك إثر تشكل التحالف الدولي الجوي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد مواقع التنظيم في العراق وسوريا صيف 2014، حيث دعا الناطق باسم التنظيم أبو محمد العدناني عام 2014 وهو الذي ابتدع فكرة (اللامركزية) بضرب الأهداف وفي تسجيل صوتي دعا فيه المتعاطفين مع التنظيم إلى قتل رعايا دول الائتلاف في أيّ مكان، باستخدام أي سلاح متاح، وهو ما يُمكّن من تنفيذ العملية من دون العودة إلى قادة التنظيم ومن دون الانضمام إليه.
ويبدو أن منفذ عملية "نيس" الإرهابية من هذا النوع كما توقع الخبراء الأمنيون كونه تنطبق عليه صفات وسمات "الذئاب" المنفردة التي تتميز فردانيتها بمايلي 1ـ التمويل الذاتي. 2- حرية القرار في تحديد الزمان والمكان والهدف الذي يتوجه له الفعل الإرهابي. 3- عدم الارتباط الهيكلي المباشر بأية جماعة أو تنظيم. 4- حرية اختيار أي سلاح يمكن أن يكون في المتناول؛ لتنفذ من خلاله الجريمة الإرهابية. 5- المباغتة في تنفيذ الفعل الإرهابي. وهو ما حدث في "نيس" وقبلها من أعمال إرهابية متوحشة راح ضحيتها الكثير من الأبرياء الذين صادف حظهم العاثر أن يكونوا في مكان العملية وقد تزامنت حادثة "نيس" عملية إرهابية أخرى وفي ألمانيا هذه المرة بإصابة خمسة أشخاص في هجوم شنه مهاجر مراهق أفغاني يبلغ من العمر 17 عاما بواسطة الفأس ، على ركاب قطار جنوبي ألمانيا قبل أن تقتله الشرطة وفي ظروف وأهداف مشابهة ممكن أن تتكرر في أية بقعة في العالم وهو ما يؤكد حقيقة الإفلاس والتخبط الذي يمر به داعش بعد سلسلة هزائمها في العراق وسوريا